فِي الرَّأْس فَالصَّوَاب ان مبدأه ومنشأه من الْقلب وفروعه وثمرته فِي الراس وَالْقُرْآن قد دلّ على هَذَا بقوله {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا} وَقَالَ {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب} وَلم يرد بِالْقَلْبِ هُنَا مُضْغَة اللَّحْم الْمُشْتَركَة بَين الْحَيَوَانَات بل المُرَاد مَا فِيهِ من الْعقل واللب ونازعهم فِي ذَلِك طَائِفَة اخرى وَقَالُوا مبدأ هَذِه الْحَواس إِنَّمَا هُوَ الدِّمَاغ وانكروا ان يكون بَين الْقلب وَالْعين والاذن والانف اعصاب اَوْ عروف وَقَالُوا هَذَا كذب على الْخلقَة وَالصَّوَاب التَّوَسُّط بَين الْفَرِيقَيْنِ وَهُوَ ان الْقلب تنبعث مِنْهُ قُوَّة الى هَذِه الْحَواس وَهِي قُوَّة معنوية لَا تحْتَاج فِي وصولها اليه الى مجار مَخْصُوصَة واعصاب تكون حاملة لَهَا فَإِن وُصُول القوى الى هَذِه الْحَواس والاعضاء لَا يتَوَقَّف الاعلى قبُولهَا واستعداها وامداد الْقلب لَا على مجار وأعصاب وَبِهَذَا يَزُول الالتباس فِي هَذَا الْمقَام الَّذِي طَال فِيهِ الْكَلَام وَكثر فِيهِ النزاع وَالْخِصَام وَالله اعْلَم وَبِه التَّوْفِيق للصَّوَاب وَالْمَقْصُود التَّنْبِيه على أقل الْقَلِيل من وُجُوه الْحِكْمَة الَّتِي فِي خلق الانسان والامر اضعاف اضعاف مَا يخْطر بالبال اَوْ يجرى فِيهِ الْمقَال وَإِنَّمَا فَائِدَة ذكر هَذِه الشذرة الَّتِي هِيَ كل شَيْء بِالنِّسْبَةِ الى مَا وَرَاءَهَا التَّنْبِيه وَإِذا نظر العَبْد الى غذائه فَقَط فِي مدخله ومستقره ومخرجه رأى فِيهِ العبر والعجائب كَيفَ جعلت لَهُ آلَة يتَنَاوَل بهَا ثمَّ بَاب يدْخل مِنْهُ ثمَّ آلَة تقطعه صغَارًا ثمَّ طاحون يطحنه ثمَّ اعين بِمَاء يعجنه ثمَّ جعل لَهُ مجْرى وطريقا الى جَانب النَّفس ينزل هَذَا ويصعد هَذَا فَلَا يَلْتَقِيَانِ مَعَ غَايَة الْقرب ثمَّ جعل لَهُ حوايا وطرقا توصله الى الْمعدة فَهِيَ خزانته وَمَوْضِع اجتماعه وَلها بَابَانِ بَاب اعلى يدْخل مِنْهُ الطَّعَام وَبَاب اسفل يخرج مِنْهُ تفله وَالْبَاب الاعلى اوسع من الاسفل إِذْ الاعلى مدْخل للحاصل والاسفل مصرف للضار مِنْهُ والاسفل منطبق دَائِما ليستقر الطَّعَام فِي مَوْضِعه فَإِذا انْتهى الهضم فَإِن ذَلِك الْبَاب ينفتح الى انْقِضَاء الدّفع وَيُسمى البواب لذَلِك والاعلى يُسمى فَم الْمعدة وَالطَّعَام ينزل الى الْمعدة متكيمسا فَإِذا اسْتَقر فِيهَا انماع وذاب ويحيط بالمعدة من داخلها وخارجها حرارة نارية بل رُبمَا تزيد على حرارة النَّار ينضج بهَا الطَّعَام فِيهَا كَمَا ينضج الطَّعَام فِي الْقدر بالنَّار المحيطة بِهِ وَلذَلِك يذيب مَا هُوَ مستحجر كالحصا وَغَيره حَتَّى يتْركهُ مَائِعا فَإِذا أذابته علا صَفوه الى فَوق ورس كدره الى اسفل وَمن الْمعدة عروق مُتَّصِلَة بِسَائِر الْبدن يبْعَث فِيهَا مَعْلُوم كل عُضْو وقوامه بِحَسب استعداه وقبوله فيبعث اشرف مَا فِي ذَلِك والطفه واخفه الى الارواح فيبعث الى الْبَصَر بصرا والى السّمع سمعا والى الشم شما والى كل حاسة بحسبها فَهَذَا الطف مَا يتَوَلَّد عَن الْغذَاء ثمَّ ينبعث مِنْهُ الى الدِّمَاغ مَا يُنَاسِبه فِي اللطافة والاعتدال ثمَّ ينبعث من الْبَاقِي الى الاعضاء فِي تِلْكَ المجاري بحسبها وينبعث مِنْهُ الى الْعِظَام وَالشعر والاظفار مَا يغذيها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute