للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرارة بل هُوَ منبع الْحَرَارَة واما الدِّمَاغ وَهُوَ المخ فَإِنَّهُ جعل بَارِدًا وَاخْتلف فِي حِكْمَة ذَاك فَقَالَت طَائِفَة إِنَّمَا كَانَ الدِّمَاغ بَارِد التبريد الْحَرَارَة الَّتِي فِي الْقلب ليردها عَن الافراط الى الِاعْتِدَال وَردت طَائِفَة هَذَا وَقَالَت لَو كَانَ كَذَلِك لم يكن الدِّمَاغ بَعيدا عَن الْقلب بل كَانَ يَنْبَغِي ان يُحِيط بِهِ كالرئة اَوْ يكون قَرِيبا مِنْهُ فِي الصَّدْر ليكسر حرارته قَالَت الْفرْقَة الاولى بعدالدماغ من الْقلب لَا يمْنَع مَا ذَكرْنَاهُ من الْحِكْمَة لانه لَو قرب مِنْهُ لغلبته حرارة الْقلب بقوتها فَجعل الْبعد بَينهمَا بِحَيْثُ لَا يتفاسدان وتعتدل كَيْفيَّة كل وَاحِد مِنْهُمَا بكيفية الاخر وَهَذَا بِخِلَاف الرئة فَإِنَّهَا آلَة للترويح على الْقلب لم تجْعَل لتعديل حرارته وتوسطت فرقة أُخْرَى وَقَالَت بل المخ حَار لكنه فاتر الْحَرَارَة وَفِيه تبريد بالخاصية فَإِنَّهُ مبدأ للذهن وَلِهَذَا كَانَ الذِّهْن يحْتَاج الى مَوضِع سَاكن قار صَاف عَن الاقذار والكدر خَال من الجلبة والزجل وَلذَلِك يكون جودة الْفِكر والتذكر واستخراج الصَّوَاب عِنْد سُكُون الْبدن وفتور حركاته وَقلة شواغله ومزعجاته وَلذَلِك لم يصلح لَهَا الْقلب وَكَانَ الدِّمَاغ معتدلا فِي ذَلِك صَالحا لَهُ وَلذَلِك تجود هَذِه الافعال فِي اللَّيْل وَفِي الْمَوَاضِع الخالية وتفسد عِنْد التهاب نَار الْغَضَب والشهوة وَعند الْهم الشَّديد وَمَعَ التَّعَب والحركات القوية الْبَدَنِيَّة والنفسانية وَهَذَا بحث مُتَّصِل بقاعدة اخرى وَهِي ان الْحَواس وَالْعقل هَل مبدؤها الْقلب والدماغ فَقَالَت طَائِفَة مبدؤها كلهَا الْقلب وَهِي مرتبطة بِهِ وَبَينه وَبَين الْحَواس منافذ وطرق قَالُوا وكل وَاحِد من هَذِه الاعضاء الَّتِي هِيَ آلَات الْحَواس لَهُ اتِّصَال بِالْقَلْبِ بأعصاب وَغير ذَلِك وَهَذِه الاعصاب تخرج من الْقلب الى ان تَأتي الى كل وَاحِد من هَذِه الاجسام الَّتِي فِيهَا هَذِه الْحَواس قَالُوا فالعين إِذا ابصرت شَيْئا أدته بالالة الَّتِي فِيهَا الى الْقلب لَان هَذِه الالة مُتَّصِلَة مِنْهَا الى الْقلب والسمع إِذا احس صَوتا اداه الى الْقلب وَكَذَلِكَ كل حاسة ثمَّ اوردوا على انفسهم سؤالا فَقَالُوا ان قيل كَيفَ يجوز ان يكون عُضْو وَاحِد على ضروب من الامتزاج يمده عدَّة حواس مُخْتَلفَة وأجسام هَذِه الْحَواس مُخْتَلفَة وَقُوَّة كل حاسة مُخَالفَة لقُوَّة الحاسة الاخرى واجابوا عَن ذَلِك بِأَن جَمِيع الْعُرُوق الَّتِي فِي الْبدن كلهَا مُتَّصِلَة بِالْقَلْبِ إِمَّا بِنَفسِهَا وَإِمَّا بِوَاسِطَة فَمَا من عرق وَلَا عُضْو الاوله اتِّصَال بِالْقَلْبِ اتِّصَالًا قَرِيبا اَوْ بَعيدا قَالُوا وينبعث مِنْهُ فِي تِلْكَ الْعُرُوق والمجاري الى كل عُضْو مَا بناسبه ويشاكله فينبعث مِنْهُ الى الْعَينَيْنِ مَا يكون مِنْهُ حس الْبَصَر وَإِلَى الاذنين مَا يدْرك بِهِ المسموعات وَإِلَى اللَّحْم مَا يكون مِنْهُ حس اللَّمْس وَإِلَى الانف مَا يكون بِهِ حس الشم وَإِلَى اللِّسَان مَا يكون بِهِ حس الذَّوْق وَإِلَى كل ذِي قُوَّة مَا يمد قوته ويحفظها فَهُوَ الْمعد لهَذِهِ الاعضاء والحواس والقوى وَلِهَذَا كَانَ الراي الصَّحِيح انه اول الاعضاء تكوينا قَالُوا وَلَا ريب ان مبدأ الْقُوَّة الْعَاقِلَة مِنْهُ وَإِن كَانَ قد خَالف فِي ذَلِك آخَرُونَ وَقَالُوا بل الْعقل

<<  <  ج: ص:  >  >>