للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحْتَاج الى قلعة وَلَو نقصت عظما وَاحِدًا كَانَ نُقْصَانا يحْتَاج الى جبره فالطبيب ينظر فِي هَذِه الْعِظَام وَكَيْفِيَّة تركيبها ليعرف وَجه العلاج فِي جبرها والعارف ينظر فِيهَا ليستدل بهَا على عَظمَة باريها وخالقها وحكمته وَعلمه ولطفه وَكم بَين النظرين ثمَّ انه سُبْحَانَهُ ربط تِلْكَ الاعضاء والاجزاء بالرباطات فَشد بهَا اسرها وَجعلهَا كالاوتاد تمسكها وتحفظها حَتَّى بلغ عَددهَا الى خَمْسمِائَة وَتِسْعَة وَعشْرين رِبَاطًا وَهِي مُخْتَلفَة فِي الغلظ والدقة والطول وَالْقصر والاستقامة والانحناء بِحَسب اخْتِلَاف موَاضعهَا ومحالها فَجعل مِنْهَا اربعة وَعشْرين رِبَاطًا آلَة لتحريك الْعين وَفتحهَا وَضمّهَا وإبصارها لَو نقضت مِنْهُنَّ رِبَاطًا وَاحِدًا اخْتَلَّ امْر الْعين وَهَكَذَا لكل عُضْو من الاعضاء رباطات هن لَهُ كالالات الَّتِي بهَا يَتَحَرَّك ويتصرف وَيفْعل كل ذَلِك صنع الرب الْحَكِيم وَتَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم فِي قَطْرَة مَاء مهين فويل للمكذبين وبعدا للجاحدين وَمن عجائب خلقه انه جعل فِي الراس ثَلَاث خَزَائِن نَافِذا بَعْضهَا الى بعض خزانَة فِي مقدمه وخزانة فِي وَسطه وخزانة فِي آخِره واودع تِلْكَ الخزائن من أسراره مَا اودعها من الذّكر والفكر والتعقل وَمن عجائب خلقه مَا فِيهِ من الامور الْبَاطِنَة الَّتِي لَا تشاهد كالقلب والكبد وَالطحَال والرئة والامعاء والمثانة وَسَائِر مَا فِي بَطْنه من الالات العجيبة والقوى المتعددة الْمُخْتَلفَة الْمَنَافِع فَأَما الْقلب فَهُوَ الْملك الْمُسْتَعْمل لجَمِيع آلَات الْبدن والمستخدم لَهَا فَهُوَ محفوف بهَا محشود مخدوم مُسْتَقر فِي الْوسط وَهُوَ اشرف اعضاء الْبدن وَبِه قوام الْحَيَاة وَهُوَ منبع الرّوح الحيواني والحرارة الغريزية وَهُوَ مَعْدن الْعقل وَالْعلم والحلم والشجاعة وَالْكَرم وَالصَّبْر وَالِاحْتِمَال وَالْحب والارادة وَالرِّضَا وَالْغَضَب وَسَائِر صِفَات الْكَمَال فَجَمِيع الاعضاء الظَّاهِرَة والباطنة وقواها انما هِيَ جند من اجناد الْقلب فَإِن الْعين طليعته ورائده الَّذِي يكْشف لَهُ المرئيات فَإِن رَأَتْ شَيْئا أدته اليه ولشدة الارتباط الَّذِي بَينهَا وَبَينه إِذا اسْتَقر فِيهِ شَيْء ظهر فِيهَا فَهِيَ مرآته المترجمة للنَّاظِر مَا فِيهِ كَمَا ان اللِّسَان ترجمانه الْمُؤَدِّي للسمع مَا فِيهِ وَلِهَذَا كثيرا مَا يقرن سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه بَين هَذِه الثَّلَاث كَقَوْلِه {إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا} وَقَوله {وَجَعَلنَا لَهُم سمعا وأبصارا وأفئدة} وَقَوله {صم بكم عمي} وَقد تقدم ذَلِك وَكَذَلِكَ يقرن بَين الْقلب وَالْبَصَر كَقَوْلِه {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} وَقَوله فِي حق رَسُوله مُحَمَّد مَا كذب الْفُؤَاد وَمَا رأى ثمَّ قَالَ {مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى} وَكَذَلِكَ الاذن هِيَ رَسُوله الْمُؤَدى اليه وَكَذَلِكَ اللِّسَان ترجمانه وَبِالْجُمْلَةِ فسائر الاعضاء خدمه وَجُنُوده وَقَالَ النَّبِي الا ان فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح لَهَا سَائِر الْجَسَد وَإِذا فَسدتْ فسد لَهَا سَائِر الْجَسَد إِلَّا وَهِي الْقلب وَقَالَ ابو هُرَيْرَة الْقلب ملك والاعضاء جُنُوده فان طَابَ الْملك طابت جُنُوده وَإِذا خبث الْملك خبثت جُنُوده وَجعلت الرئة لَهُ كالمروحة تروح عَلَيْهِ دَائِما لانه اشد الاعضاء

<<  <  ج: ص:  >  >>