انبت فِيهِ من الشُّعُور الْمُخْتَلفَة الاشكال والمقادير فزينه بالحاجبين وجعلهما وقاية لما يتحدر من بشرة الراس الى الْعَينَيْنِ وقوسهما وَأحسن خطهما وزين أجفاف الْعَينَيْنِ بالاهداب وزين الْوَجْه ايضا باللحية وَجعلهَا كمالا ووقارا ومهابة لرجل زين الشفتين بِمَا انبت فَوْقهمَا من الشَّارِب وتحتهما من العنفقة وَكَذَلِكَ خلقه سُبْحَانَهُ لِلْيَدَيْنِ اللَّتَيْنِ هما آلَة العَبْد وسلاحه وَرَأس مَال معاشه فطولهما يحيث يصلان الى مَا شَاءَ من بدنه وَعرض الْكَفّ ليتَمَكَّن بِهِ من الْقَبْض والبسط وَقسم فِيهِ الاصابع الْخمس وَقسم كل اصبع بِثَلَاث انامل والابهام بِاثْنَتَيْنِ وَوضع الاصابع الاربعة فِي جَانب والابهام فِي جَانب لتدور الابهام على الْجَمِيع فَجَاءَت على احسن وضع صلحت بِهِ للقبض والبسط ومباشرة الاعمال وَلَو اجْتمع الاولون والاخرون على ان يستنبطوا بدقيق افكارهم وضعا آخر للاصابع سوى مَا وضعت عَلَيْهِ لم يَجدوا اليه سَبِيلا فَتَبَارَكَ من لَو شَاءَ لسواها وَجعلهَا طبقًا وَاحِدًا كالصفيحة فَلم يتَمَكَّن العَبْد بذلك من مصالحة وانواع تَصَرُّفَاته ودقيق الصَّنَائِع والخط وَغير ذَلِك فَإِن بسط اصابعه كَانَت طبقًا يضع عَلَيْهِ مَا يُرِيد وان ضمهَا وَقَبضهَا كَانَت دبوسا وَآلَة للضرب وان جعلهَا بَين الضَّم والبسط كَانَت مغرفة لَهُ يتَنَاوَل بهَا وَتمسك فِيهَا مَا يتَنَاوَلهُ وَركب الاظفار على رؤسها زِينَة لَهَا وعمادا ووقاية وليلتقط بهَا الاشياء الدقيقة الَّتِي لَا ينالها جسم الاصابع وَجعلهَا سِلَاحا لغيره من الْحَيَوَان وَالطير وَآلَة لمعاشه وليحك الانسان بهَا بدنه عِنْد الْحَاجة فالظفر الَّذِي هُوَ أقل الاشياء وأحقرها لَو عَدمه الانسان ثمَّ ظَهرت بِهِ حكة لاشتدت حَاجته اليه وَلم يقم مقَامه شَيْء فِي حك بدنه ثمَّ هدى الْيَد الى مَوضِع الحك حَتَّى تمتد اليه وَلَو فِي النّوم والغفلة من غير حَاجَة الى طلب وَلَو اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ لم يعثر على مَوضِع الحك الا بعد تَعب ومشقة ثمَّ انْظُر الى الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي جعل عِظَام اسفل الْبدن غَلِيظَة قَوِيَّة لانها اساس لَهُ وَعِظَام اعاليه دونهَا فِي الثخانة والصلابة لانها مَحْمُولَة ثمَّ انْظُر كَيفَ جعل الرَّقَبَة مركبا للرأس وركبها من سبع خَرَزَات مجوفات مستديرات ثمَّ طبق بَعْضهَا على بعض وَركب كل خرزة تركيبا محكما متقنا حَتَّى صَارَت كَأَنَّهَا خرزة وَاحِدَة ثمَّ ركب الرَّقَبَة على الظّهْر والصدر ثمَّ ركب الظّهْر من أَعْلَاهُ الى مُنْتَهى عظم الْعَجز من أَربع وَعشْرين خرزة مركبة بَعْضهَا فِي بعض هِيَ مجمع اضلاعه وَالَّتِي تمسكها ان تنْحَل وتنفصل ثمَّ وصل تِلْكَ الْعِظَام بَعْضهَا بِبَعْض فوصل عِظَام الظّهْر بعظام الصَّدْر وَعِظَام الْكَتِفَيْنِ بعظام العضدين والعضدين بالذراعين والذراعين بالكف والاصابع وَانْظُر كَيفَ كسا الْعِظَام العريضة كعظام الظّهْر والراس كسْوَة من اللَّحْم تناسبها وَالْعِظَام الدقيقة كسْوَة تناسبها كالاصابع والمتوسطة كَذَلِك كعظام الذراعين والعضدين فَهُوَ مركب على ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ عظما مِائَتَان وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ مفاصل وباقيها صغَار حشيت خلال المفاصل فَلَو زَادَت عظما وَاحِدًا لَكَانَ مضرَّة على الانسان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute