للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْفَعَة هَذَا الْحس جملَة وَكَانَ وجود انفين فِي الْوَجْه شَيْئا ظَاهرا فنصب فِيهِ انفا وَاحِدًا وَجعل فِيهِ منفذين حجز بَينهمَا بحاجز يجرى مجْرى تعدد الْعَينَيْنِ والاذنين فِي الْمَنْفَعَة وَهُوَ وَاحِد فَتَبَارَكَ الله رب الْعَالمين واحسن الْخَالِقِينَ وشق سُبْحَانَهُ للْعَبد الْفَم فِي احسن مَوضِع واليقه بِهِ واودع فِيهِ من الْمَنَافِع وآلات الذَّوْق وَالْكَلَام وآلات الطَّحْن وَالْقطع مَا يبهر الْعُقُول عجائبه فأودعه اللِّسَان الَّذِي هُوَ اُحْدُ آيَاته الدَّالَّة عَلَيْهِ وَجعله ترجمانا لملك الاعضاء مُبينًا مُؤديا عَنهُ كَمَا جعل الاذن رَسُولا مُؤديا مبلغا اليه فَهِيَ رَسُوله وبريده الَّذِي يُؤَدِّي اليه الاخبار وَاللِّسَان بريده وَرَسُوله الَّذِي يُؤَدِّي عَنهُ مَا يُرِيد واقتضت حكمته سُبْحَانَهُ ان جعل هَذَا الرَّسُول مصونا مَحْفُوظًا مَسْتُورا غير بارز مَكْشُوف كالاذن وَالْعين والانف لَان تِلْكَ الاعضاء لما كَانَت تُؤدِّي من الْخَارِج اليه جعلت بارزة ظَاهِرَة وَلما كَانَ اللِّسَان مُؤديا مِنْهُ الى الْخَارِج جعل لَهُ سترا مصونا لعدم الْفَائِدَة فِي إبرازه لانه لَا يَأْخُذ من الْخَارِج الى الْقلب وَأَيْضًا فَلِأَنَّهُ لما كَانَ اشرف الاعضاء بعدالقلب ومنزلته مِنْهُ منزلَة ترجمانه ووزيره ضرب عَلَيْهِ سرادق تستره وتصونه وَجعل فِي ذَلِك السرادق كالقلب فِي الصَّدْر وايضا فَإِنَّهُ من الطف الاعضاء والينها واشدها رُطُوبَة وَهُوَ لَا يتَصَرَّف إِلَّا بِوَاسِطَة الرُّطُوبَة المحيطة بِهِ فَلَو كَانَ بارزا صارعرضة للحرارة واليبوسة والنشاف الْمَانِع لَهُ من التَّصَرُّف ولغير ذَلِك من الحكم والفوائد ثمَّ زين سُبْحَانَهُ الْفَم بِمَا فِيهِ من الاسنان الَّتِي هن جمال لَهُ وزينة وَبهَا قوام العَبْد وغذاؤه وَجعل بَعْضهَا ارحاء للطحن وَبَعضهَا آلَة للْقطع فاحكم اصولها وحدد رؤسها وبيض لَوْنهَا ورتب صفوفها مُتَسَاوِيَة الرؤس متناسقة التَّرْتِيب كَأَنَّهَا الدّرّ المنظوم بَيَاضًا وصفاء وحسنا واحاط سُبْحَانَهُ على ذَلِك حائطين واودعهما من الْمَنَافِع وَالْحكم مَا اودعهما وهما الشفتان فَحسن لونهما وشكلهما وَوَضعهمَا وهيأتهماوجعلهما غطاء للفم وطبقا لَهُ وجعلهما إتماما لمخارج حُرُوف الْكَلَام وَنِهَايَة لَهُ كَمَا جعل اقصى الْحلق بداية لَهُ وَاللِّسَان وَمَا جاوره وسطا وَلِهَذَا كَانَ اكثر الْعَمَل فِيهَا لَهُ إِذْ هُوَ الْوَاسِطَة واقتضت حكمته ان جعل الشفتين لَحْمًا صرفا لَا عظم فِيهِ وَلَا عصب ليتَمَكَّن بهما من مص الشَّرَاب ويسهل عَلَيْهِ فتحهما وطبقهما وَخص الفك الاسفل بِالتَّحْرِيكِ لَان تَحْرِيك الاخف احسن ولانه يشْتَمل على الاعضاء الشَّرِيفَة فَلم يخاطر بهَا فِي الْحَرَكَة وَخلق سُبْحَانَهُ الْحَنَاجِر مُخْتَلفَة الاشكال فِي الضّيق وَالسعَة والخشونة والملاسة والصلابة واللين والطول وَالْقصر فاختلفت بذلك الاصوات اعظم اخْتِلَاف وَلَا يكَاد يشْتَبه صوتان إِلَّا نَادرا وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيح قبُول شَهَادَة الاعمى لتمييزه بَين الاشخاص بأصواتهم كَمَا يُمَيّز الْبَصِير بَينهم بصورهم والاشتباه الْعَارِض بَين الاصوات كالاشتباه الْعَارِض بَين الصُّور وزين سُبْحَانَهُ الرَّأْس بالشعر وَجعله لباسا لَهُ لاحتياجه اليه وزين الْوَجْه بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>