فِيهَا ليذوب اولا فأولا فتجيء مِنْهُ السُّيُول الغزيرة وتسيل مِنْهُ الانهار والاودية فينبت فِي المروج والوهاد والربا ضروب النَّبَات والفواكه والادوية الَّتِي لَا يكون مثلهَا فِي السهل والرمل فلولا الْجبَال لسقط الثَّلج على وَجه الارض فانحل جملَة وساح دفْعَة فَعدم وَقت الْحَاجة اليه وَكَانَ فِي انحلاله جملَة السُّيُول الَّتِي تهْلك مَا مرت عَلَيْهِ فَيضر بِالنَّاسِ ضَرَرا لَا يُمكن تلافيه وَلَا دَفعه لاذيته من مَنَافِعهَا مَا يكون فِي حصونها وقللها من المغارات والكهوف والمعاقل الَّتِي منزلَة الْحُصُون والقلاع وَهِي ايضا اكنان للنَّاس وَالْحَيَوَان وَمن مَنَافِعهَا مَا ينحت من احجارها للأبينة على اخْتِلَاف اصنافها والارحية وَغَيرهَا وَمن مَنَافِعهَا مَا يُوجد فِيهَا من الْمَعَادِن على اخْتِلَاف اصنافها من الذَّهَب وَالْفِضَّة والنحاس وَالْحَدِيد والرصاص والزبرجد والزمرد واضعاف ذَلِك من انواع الْمَعَادِن الَّذِي يعجز الْبشر عَن مَعْرفَتهَا على التَّفْصِيل حَتَّى ان فِيهَا مَا يكون الشَّيْء الْيَسِير مِنْهُ تزيد قِيمَته ومنفعته على قيمَة الذَّهَب باضعاف مضاعفة وفيهَا من الْمَنَافِع مَالا يُعلمهُ الا فاطرها ومبدعها سُبْحَانَهُ وَمن مَنَافِعهَا ايضا انها ترد الرِّيَاح الْعَاصِفَة وتكسر حدتها فَلَا تدعها تصدم مَا تحتهَا وَلِهَذَا فالساكنون تحتهَا فِي امان من الرِّيَاح الْعِظَام المؤذية وَمن مَنَافِعهَا ايضا انها ترد عَنْهُم السُّيُول إِذا كَانَت فِي مجاريها فتصرفها عَنْهُم ذَات الْيَمين وَذَات الشمَال ولولاها خربَتْ السُّيُول فِي مجاريها مَا مرت بِهِ فَتكون لَهُم بِمَنْزِلَة السد والسكن وَمن مَنَافِعهَا انها أَعْلَام يسْتَدلّ بهَا فِي الطرقات فَهِيَ منزلَة الادلة المنصوبة المرشدة الى الطّرق وَلِهَذَا سَمَّاهَا الله أعلاما فَقَالَ وَمن آيَاته الْجَوَارِي فِي الْبَحْر كالاعلام فالجواري هِيَ السفن والاعلام الْجبَال وَاحِدهَا علم قَالَت الخنساء
وَأَن صخرا لتأتم الهداة بِهِ ... كانه علم فِي راسه نَار فَسمى الْجَبَل علما من الْعَلامَة والظهور وَمن مَنَافِعهَا ايضا مَا ينْبت فِيهَا من العقاقير والادوية الَّتِي لَا تكون فِي السهول والرمال كَمَا ان مَا ينْبت فِي السهول والرمال لَا ينْبت مثله فِي الْجبَال وَفِي كل من هَذَا وَهَذَا مَنَافِع وَحكم لَا يُحِيط بِهِ الا الخلاق الْعَلِيم وَمن مَنَافِعهَا انها تكون حصونا من الاعداء يتحرز فِيهَا عباد الله من اعدائهم كَمَا يتحصنون بالقلاع بل تكون أبلغ وَأحْصن من كثير من القلاع والمدن وَمن مَنَافِعهَا مَا ذكره الله تَعَالَى فِي كِتَابه ان جعلهَا للْأَرْض اوتادا تثبتها ورواسي بِمَنْزِلَة مراسي السفن واعظم بهَا من مَنْفَعَة وَحِكْمَة هَذَا وَإِذا تَأَمَّلت خلقتها العجيبة البديعة على هَذَا الْوَضع وَجدتهَا فِي غَايَة الْمُطَابقَة للحكمة فانها لَو طَالَتْ واستدفت كالحائط لتعذر الصعُود عَلَيْهَا وَالِانْتِفَاع بهَا وسترت عَن النَّاس الشَّمْس والهواء فَلم يتمكنوا من الِانْتِفَاع بهَا وَلَو بسطت على وَجه الارض لضيقت عَلَيْهِم الْمزَارِع والمساكن ولملأت السهل وَلما حصل لَهُم بهَا الِانْتِفَاع من التحصن والمغارات والاكنان وَلما سترت عَنْهُم الرِّيَاح وَلما حجبت السُّيُول
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute