للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَو جعلت مستديرة شكل الكرة لم يتمكنوا من صعودها وَلما حصل لَهُم بهَا الِانْتِفَاع التَّام فَكَانَ اولى الاشكال والاوضاع بهَا واليقها واوقعها على وفْق الْمصلحَة هَذَا الشكل الَّذِي نصبت عَلَيْهِ وَلَقَد دَعَانَا الله سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه الى النّظر فِيهَا وَفِي كَيْفيَّة خلقهَا فَقَالَ {أَفلا ينظرُونَ إِلَى الْإِبِل كَيفَ خلقت وَإِلَى السَّمَاء كَيفَ رفعت وَإِلَى الْجبَال كَيفَ نصبت} فخلقها ومنافعها من اكبر الشواهد على قدره باريها وفاطرها وَعلمه وحكمته ووحدانيته هَذَا مَعَ انها تسبح بِحَمْدِهِ وتخشع لَهُ وتسجد وتشقق وتهبط من خَشيته وَهِي الَّتِي خَافت من رَبهَا وفاطرها وخالقها على شدتها وَعظم خلقهَا من الامانة إِذْ عرضهَا عَلَيْهَا واشفقت من حملهَا وَمِنْهَا الْجَبَل الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ مُوسَى كليمه ونجيه وَمِنْهَا الْجَبَل الَّذِي تجلى لَهُ ربه فساخ وتدكدك وَمِنْهَا الْجَبَل الَّذِي حبب الله رَسُوله واصحابه اليه واحبه رَسُول الله وَأَصْحَابه وَمِنْهَا الجبلان اللَّذَان جَعلهمَا الله سورا على نبيه وَجعل الصَّفَا فِي ذيل احدهما والمروة فِي ذيل الاخر وَشرع لِعِبَادِهِ السَّعْي بَينهمَا وَجعله من مناسكهم وتعبداتهم وَمِنْهَا جبل الرَّحْمَة الْمَنْصُوب عَلَيْهِ ميدان عَرَفَات فَللَّه كم بِهِ من ذَنْب مغْفُور وعثرة مقَالَة وزلة مَعْفُو عَنْهَا وحاجة مقضية وكربة مفروجة وبلية مَرْفُوعَة ونعمة متجددة وسعادة مكتسبة وشقاوة ممحوة كَيفَ وَهُوَ الْجَبَل الْمَخْصُوص بذلك الْجمع الاعظم والوفد الاكرم الَّذين جاؤا من كل فج عميق وقوفا لرَبهم مستكينين لعظمته خاشعين لعزته شعثا غبرا حاسرين عَن رُؤْسهمْ يستقبلوله عثراتهم ويسألونه حاجاتهم فيدنو مِنْهُم ثمَّ يباهي بهم الْمَلَائِكَة فَللَّه ذَاك الْجَبَل وَمَا ينزل عَلَيْهِ من الرَّحْمَة والتجاوز عَن الذُّنُوب الْعِظَام وَمِنْهَا جبل حراء الَّذِي كَانَ رَسُول الله يَخْلُو فِيهِ بربه حَتَّى اكرمه الله برسالته وَهُوَ فِي غَارة فَهُوَ الْجَبَل الَّذِي فاض مِنْهُ النُّور على اقطار الْعَالم فَإِنَّهُ ليفخر على الْجبَال وَحقّ لَهُ ذَلِك فسبحان من اخْتصَّ برحمته وتكريمه من شَاءَ من الْجبَال وَالرِّجَال فَجعل مِنْهَا جبالا هِيَ مغناطيس الْقُلُوب كَأَنَّهَا مركبة مِنْهُ فَهِيَ تهوى اليها كلما ذكرتها وتهفو نَحْوهَا كَمَا اخْتصَّ من الرِّجَال من خصّه بكرامته وَأتم عَلَيْهِ نعْمَته وَوضع عَلَيْهِ محبته مِنْهُ فَأَحبهُ وحببه الى مَلَائكَته وعباده الْمُؤمنِينَ وَوضع لَهُ الْقبُول فِي الارض بَينهم

وَإِذا تَأَمَّلت الْبِقَاع وَجدتهَا ... تشقى كَمَا تشقى الرِّجَال وتسعد فدع عَنْك الْجَبَل الْفُلَانِيّ وجبل بني فلَان وجبل كَذَا

خُذ مَا ترَاهُ ودع شَيْئا سَمِعت بِهِ ... فِي طلعة الشَّمْس مَا يُغْنِيك عَن زحل

هَذَا وانها لتعلم ان لَهَا موعدا ويما تنسف فِيهَا نسفا وَتصير كالعهن من هوله وعظمه فَهِيَ مشفقة من هول ذَلِك الْموعد منتظرة لَهُ وَكَانَت ام الدَّرْدَاء رضى الله عَنْهَا إِذا سَافَرت فَصَعدت على جبل تَقول لمن مَعهَا اسمعت الْجبَال مَا وعدها رَبهَا فَيُقَال مَا اسمعها فَتَقول {ويسألونك}

<<  <  ج: ص:  >  >>