يغتذى بِهِ من اصناف الْحَيَوَان فَإِن اكثرها يَأْكُل السّمك حَتَّى السباغ لانها فِي حافات الاجام جاثمة تعكف على المَاء الصافي فَإِذا تعذر عَلَيْهَا صيدالبر رصدت السّمك فاختطفته فَلَمَّا كَانَت السبَاع تَأْكُل السّمك وَالطير تَأْكُله وَالنَّاس تَأْكُله والسماك الْكِبَار تَأْكُله ودواب الْبر تَأْكُله وَقد جعله الله سُبْحَانَهُ غذَاء لهَذِهِ الاصناف اقْتَضَت حكمته ان يكون بِهَذِهِ الْكَثْرَة وَلَو رأى العَبْد مَا فِي الْبَحْر من ضروب الْحَيَوَانَات والجواهر والاصناف الَّتِي لَا يحصيها الا الله وَلَا يعرف النَّاس مِنْهَا إِلَّا الشَّيْء الْقَلِيل الَّذِي لانسبة لَهُ اصلا الى مَا غَابَ عَنْهُم لرأي الْعجب ولعلم سَعَة ملك الله وَكَثْرَة جُنُوده الَّتِي لايعلمها إِلَّا هُوَ وَهَذَا الْجَرَاد نثرة حوت من حيتان الْبَحْر يَنْثُرهُ من مَنْخرَيْهِ وَهُوَ جند من جنود الله ضَعِيف الْخلقَة عَجِيب التَّرْكِيب فِيهِ خلق سبع حيوانات فَإِذا رايت عساكره قد اقبلت ابصرت جندا لَا مرد لَهُ وَلَا يُحْصى مِنْهُ عدد وَلَا عدَّة فَلَو جمع الْملك خيله وَرجله ودوابه وسلاحه ليصده عَن بِلَاده لما أمكنه ذَلِك فَانْظُر كَيفَ ينساب على الارض كالسيل فيغشى السهل والجبل والبدو والحضر حَتَّى يستر نور الشَّمْس بكثرته ويسد وَجه السَّمَاء بأجنحته ويبلغ من الجو الى حَيْثُ لَا يبلغ طَائِر اكبر جناحين مِنْهُ فسل الْمُعَطل من الَّذِي بعث هَذَا الْجند الضَّعِيف الَّذِي لَا يَسْتَطِيع ان يرد عَن نَفسه حَيَوَانا رام اخذه بلية على الْعَسْكَر اهل الْقُوَّة وَالْكَثْرَة وَالْعدَد وَالْحِيلَة فَلَا يقدرُونَ بأجمعهم على دَفعه بل ينظرُونَ اليه يستبد بأقواتهم دونهم ويمزقها كل ممزق ويذر الارض قفرا مِنْهَا وهم لَا يَسْتَطِيعُونَ ان يردوه وَلَا يحولوا بَينه وَبَينهَا وَهَذَا من حكمته سُبْحَانَهُ ان يُسَلط الضَّعِيف من خلقه الَّذِي لَا مُؤنَة لَهُ على القوى فينتقم بِهِ مِنْهُ وَينزل بِهِ مَا كَانَ يحذرهُ مِنْهُ حَتَّى لايستطيع لذَلِك ردا ولاصرفا قَالَ الله تَعَالَى ونزيد ان نمن على الَّذين استضعفوا فِي الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الْوَارِثين ونمكن لَهُم فِي الارض ونرى فِرْعَوْن وهامان وجنودهما مِنْهُم مَا كَانُوا يحذرون فواحسرتاه على استقامه مَعَ الله وايثار لمرضاته فِي كل حَال يُمكن بِهِ الضَّعِيف المستضعف حَتَّى يرى من اسْتَضْعَفَهُ انه اولى بِاللَّه وَرَسُوله مِنْهُ وَلَكِن اقْتَضَت حِكْمَة الله الْعَزِيز الْحَكِيم ان يَأْكُل الظَّالِم الْبَاغِي ويتمتع فِي خفارة ذنُوب الْمَظْلُوم المبغي عَلَيْهِ فذنوبه من اعظم اسباب الرَّحْمَة فِي حق ظالمة كَمَا ان المسؤل إِذا رد السَّائِل فَهُوَ فِي خفارة كذبه وَلَو صدق السَّائِل لما أفلحمن رده وَكَذَلِكَ السَّارِق وقاطع الطَّرِيق فِي خفارة منع اصحاب الاموال حُقُوق الله فِيهَا وَلَو ادوا مَا لله عَلَيْهِم فِيهَا لحفظها الله عَلَيْهِم وَهَذَا ايضا بَاب عَظِيم من حِكْمَة الله يطلع النَّاظر فِيهِ على أسرار من أسرار التَّقْدِير وتسليط الْعَالم بَعضهم على بعض وتمكين الجناة والبغاة فسبحان من لَهُ فِي كل شَيْء حِكْمَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute