للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَالِغَة وَآيَة باهرة حَتَّى ان الْحَيَوَانَات العادية على النَّاس فِي اموالهم وارزاقهم وابدانهم تعيش فِي خفارة مَا كسبت ايديهم وَلَوْلَا ذَلِك لم يُسَلط عَلَيْهِم مِنْهَا شَيْء وَلَعَلَّ هَذَا الْفَصْل الاستطرادي انفع لمتأمله من كثير من الْفُصُول الْمُتَقَدّمَة فَإِنَّهُ إِذا اعطاه حَقه من النّظر والفكر عظم انتفاعه بِهِ جدا وَالله الْمُوفق ويحكى ان بعض اصحاب الْمَاشِيَة كَانَ يشوب اللَّبن ويبيعه على انه خَالص فارسل الله عَلَيْهِ سيلا فَذهب بالغنم فَجعل يعجب فاتى فِي مَنَامه فَقيل لَهُ اتعجب من اخذ السَّيْل غنمك انه تِلْكَ القطرات الَّتِي شبت بهَا البن اجْتمعت وَصَارَت سيلا فقس على هَذِه الْحِكَايَة مَا ترَاهُ فِي نَفسك وَفِي غَيْرك تعلم حِينَئِذٍ ان الله قَائِم بِالْقِسْطِ وانه قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت وانه لَا يظلم مِثْقَال ذرة والاثر الاسرائيلي مَعْرُوف ان رجلا كَانَ يشوب الْخمر ويبيعه على انه خَالص فَجمع من ذَلِك كيس ذهب وسافر بِهِ فَركب الْبَحْر وَمَعَهُ قرد لَهُ فَلَمَّا نَام اخذ القرد الْكيس وَصعد بِهِ الى اعلى الْمركب ثمَّ فَتحه فَجعل يلقيه دِينَارا فِي المَاء ودينارا فِي الْمركب كَأَنَّهُ يَقُول لَهُ بِلِسَان الْحَال ثمن المَاء صَار الى المَاء وَلم يظلمك وَتَأمل حِكْمَة الله عز وَجل فِي حبس الْغَيْث عَن عباده وابتلائهم بِالْقَحْطِ إِذا منعو الزَّكَاة وحرموا الْمَسَاكِين كَيفَ جوزوا على منع مَا للْمَسَاكِين قبلهم من الْقُوت بِمَنْع الله مَادَّة الْقُوت والرزق وحبسها عَنْهُم فَقَالَ لَهُم بِلِسَان الْحَال منعتم الْحق فمنعتم الْغَيْث فَهَلا استنزلتموه ببذل مَا لله قبلكُمْ وَتَأمل حِكْمَة الله تَعَالَى فِي صرفه الْهدى والايمان عَن قُلُوب الَّذين يصرفون النَّاس عَنهُ فصدهم عَنهُ كَمَا صدوا عباده صدا بصد ومنعا بِمَنْع وَتَأمل حكمته تَعَالَى فِي محق اموال المرابين وتسليط الْمُتْلفَات عَلَيْهَا كَمَا فعلوا باموال النَّاس ومحقوها عَلَيْهِم واتلفوها بالربا جوزوا اتلافا باتلاف فَقل ان ترى مرابيا إِلَّا وآخرته الى محق وَقلة وحاجة وَتَأمل حكمته تَعَالَى فِي تسليط الْعَدو على الْعباد إِذا جَار قويهم على ضعيفهم وَلم يُؤْخَذ للمظلوم حَقه من ظالمه كَيفَ يُسَلط عَلَيْهِم من يفعل بهم كفعلهم برعاياهم وضعفائهم سَوَاء وَهَذِه سنة الله تَعَالَى مُنْذُ قَامَت الدُّنْيَا الى ان تطوى الارض وَيُعِيدهَا كَمَا بدأها وَتَأمل حكمته تَعَالَى فِي ان جعل مُلُوك الْعباد وأمراءهم وولاتهم من جنس اعمالهم بل كَأَن أَعْمَالهم ظَهرت فِي صور ولاتهم وملوكهم فَإِن ساتقاموا استقامت مُلُوكهمْ وَإِن عدلوا عدلت عَلَيْهِم وَإِن جاروا جارت مُلُوكهمْ وولاتهم وَإِن ظهر فيهم الْمَكْر والخديعة فولاتهم كَذَلِك وَإِن منعُوا حُقُوق الله لديهم وبخلوا بهَا منعت مُلُوكهمْ وولاتهم مَا لَهُم عِنْدهم من الْحق ونحلوا بهَا عَلَيْهِم وَإِن اخذوا مِمَّن يستضعفونه مَالا يستحقونه فِي معاملتهم اخذت مِنْهُم الْمُلُوك مَالا يستحقونه وَضربت عَلَيْهِم المكوس والوظائف وَكلما يستخرجونه من الضَّعِيف يَسْتَخْرِجهُ الْمُلُوك مِنْهُم بِالْقُوَّةِ فعمالهم ظَهرت فِي صور اعمالهم وَلَيْسَ فِي الْحِكْمَة الالهية ان يُولى على الاشرار الْفجار الا من يكون من جنسهم وَلما كَانَ الصَّدْر الاول خِيَار

<<  <  ج: ص:  >  >>