للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَائِفَة لَيْسَ الا مَحْض الْمَشِيئَة الْعَارِية عَن الْحِكْمَة والغاية الْمَطْلُوبَة وسدوا على انفسهم هَذَا الْبَاب جملَة وَكلما سئلوا عَن شَيْء اجابوا بِلَا يسال عَمَّا يفعل وَهَذَا من اصدق الْكَلَام وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ نفي حكمته تَعَالَى وعواقب افعاله الحميدة وغاياتها الْمَطْلُوبَة مِنْهَا وَإِنَّمَا المُرَاد بالاية إِفْرَاده بالالهية والربوبية وَإنَّهُ لكَمَال حكمته لَا معقب لحكمه وَلَا يعْتَرض عَلَيْهِ بالسؤال لانه لَا يفعل شَيْئا سدى وَلَا خلق شَيْئا عَبَثا وَإِنَّمَا يسْأَل عَن فعله من خرج عَن الصَّوَاب وَلم يكن فِيهِ مَنْفَعَة وَلَا فَائِدَة الا ترى الى قَوْله ام اتَّخذُوا آلِهَة من الارض هم ينشرون لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة الا الله لفسدتا فسبحان الله رب الْعَرْش عَمَّا يصفونَ لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسئلون كَيفَ سَاق الاية فِي الانكار على من اتخذ من دونه آلِهَة لَا تساويه فسواها بِهِ مَعَ اعظم الْفرق فَقَوله لَا يسْأَل عَمَّا يفعل اثبات لحقيقة الالهية وإفراده لَهُ بالربوبية والالهية وَقَوله وهم يسْأَلُون فِي صَلَاح تِلْكَ الالهة المتخذة للالهية فإنهامسئولة مربوبة مُدبرَة فَكيف يسوى بَينهَا وَبَينه مَعَ اعظم الْفرْقَان فَهَذَا الَّذِي سيق لَهُ الْكَلَام فَجَعلهَا الجبرية ملْجأ ومعقلا فِي إِنْكَار حكمته وتعليل أَفعاله بغاياتها المحمودة وعواقبها السديدة وَالله الْمُوفق للصَّوَاب وَقَالَت طَائِفَة الْحِكْمَة فِي ابتلائهم تعويضهم فِي الاخرة بالثواب التَّام فَقيل لَهُم قد كَانَ يُمكن ايصال الثَّوَاب اليهم بِدُونِ هَذَا الايلام فَأَجَابُوا بِأَن توَسط الايلام فِي حَقهم كتوسط التكاليف فِي حق الْمُكَلّفين فَقيل لَهُم فَهَذَا ينْتَقض عَلَيْكُم بإيلام اطفال الْكفَّار فَأَجَابُوا بِأَنا لَا نقُول انهم فِي النَّار كَمَا قَالَه من قَالَه من النَّاس وَالنَّار لَا يدخلهَا اُحْدُ الا بذنب وَهَؤُلَاء لَا ذَنْب لَهُم وَكَذَا الْكَلَام مَعَهم فِي مسئلة الاطفال وَالْحجاج فِيهَا من الْجَانِبَيْنِ بِمَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعه فأورد عَلَيْهِم مَالا جَوَاب لَهُم عَنهُ وَهُوَ إيلام اطفالهم الَّذين قدر بلوغهم وموتهم على الْكفْر فَإِن هَذَا لَا تعويض فِيهِ قطعا وَلَا هُوَ عُقُوبَة على الْكفْر فَإِن الْعقُوبَة لَا تكون سلفا وتعجيلا فحاروا فِي هَذَا الْموضع واضطربت اصولهم وَلم يَأْتُوا بِمَا يقبله الْعقل وَقَالَت طَائِفَة ثَالِثَة هَذَا السُّؤَال لَو تَأمله مورده لعلم انه سَاقِط وَأَن تكلّف الْجَواب عَنهُ الزام مَالا يلْزم فَإِن هَذِه الالام وتوابعها وأسبابها من لَوَازِم النشأة الانسانية الَّتِي لم يخلق منفكا عَنْهَا فَهِيَ كَالْحرِّ وَالْبرد والجوع والعطش والتعب وَالنّصب والهم وَالْغَم والضعيف وَالْعجز فالسؤال عَن حكم الْحَاجة الى الاكل عِنْد الْجُوع وَالْحَاجة الى الشّرْب عِنْد الظمأ والى النّوم والراحة عِنْد التَّعَب فَإِن هَذِه الالام هِيَ من لَوَازِم النشأة الانسانية الَّتِي لَا يَنْفَكّ عَنْهَا الانسان وَلَا الْحَيَوَان فَلَو تجرد عَنْهَا لم يكن انسانا بل كَانَ ملكا اَوْ خلقا آخر وَلَيْسَت آلام الاطفال باصعب من آلام الْبَالِغين لَكِن لما صَارَت لَهُم عَادَة سهل موقعها عِنْدهم وَكم بَين مَا يقاسيه الطِّفْل ويعانيه الْبَالِغ الْعَاقِل وكل ذَلِك من مُقْتَضى الانسانية وَمُوجب الْخلقَة فَلَو لم يخلق كَذَلِك لَكَانَ خلقا آخر فَيرى

<<  <  ج: ص:  >  >>