ان الطِّفْل اذا جَاع اَوْ عَطش اَوْ برد اَوْ تَعب قد خص من ذَلِك بِمَا لم يمْتَحن بِهِ الْكَبِير فإيلامه بِغَيْر ذَلِك من الاوجاع والاسقام كإيلامه بِالْجُوعِ والعطش وَالْبرد والحردون ذَلِك اَوْ فَوْقه وَمَا خلق الانسان بل الْحَيَوَان الا على هَذِه النشأة قَالُوا فَإِن سَأَلَ سَائل وَقَالَ فَلم خلق كَذَلِك وهلا خلق خلقَة غير قَابِلَة للألم فَهَذَا سُؤال فَاسد فَإِن الله تَعَالَى خلقه فِي عَالم الِابْتِلَاء والامتحان من مَادَّة ضَعِيفَة فَهِيَ عرضة للآفات وركبة تركيبا معرضًا للأنواع من الالام وَجعل فِيهِ الاخلاط الاربعة الَّتِي لَا قوام لَهُ إِلَّا بهَا وَلَا يكون الا عَلَيْهَا وَهِي لَا محَالة توجب امتزاجا واختلاطا وتفاعلا يبغى بَعْضهَا على بعض بكيفيته تَارَة وبكميته تَارَة وَبِهِمَا تَارَة وَذَلِكَ مُوجب للالام قطعا وَوُجُود الْمَلْزُوم بِدُونِ لَازمه محَال ثمَّ انه سُبْحَانَهُ ركب فِيهِ من القوى والشهوة والارادة مَا يُوجب حركته الدائبة وسعيه فِي طلب مَا يصلحه دفع مَا يضرّهُ بِنَفسِهِ تَارَة وبمن يُعينهُ تَارَة فاحوج النَّوْع بعضه الى بعض فَحدث من ذَلِك الِاخْتِلَاط بَينهم وبغى بَعضهم على بعض فَحدث من ذَلِك الالام والشرور بِنَحْوِ مَا يحدث من امتزاج اخلاطه واختلاطها وبغى بَعْضهَا على بعض والالام لَا تتخلف عَن هَذَا الامتزاج ابدا الا فِي دَار الْبَقَاء وَالنَّعِيم الْمُقِيم لَا فِي دَار الِابْتِلَاء والامتحان فَمن ظن ان الْحِكْمَة فِي ان تجْعَل خَصَائِص تِلْكَ الدَّار فِي هَذِه فقد ظن بَاطِلا بل الْحِكْمَة التَّامَّة الْبَالِغَة اقْتَضَت ان تكون هَذِه الدَّار ممزوجة عَافِيَتهَا ببلائها وراحتها بعنائها ولذتها بآلامها وصحتها بسقمها وفرحها بغمها فَهِيَ دَار ابتلاء تدفع بعض آفاتها بِبَعْض كَمَا قَالَ الْقَائِل:
اصبحت فِي دَار بليات ... ادْفَعْ آفَات بآفات وَلَقَد صدق فَإنَّك إِذا فَكرت فِي الاكل وَالشرب واللباس وَالْجِمَاع والراحة وَسَائِر مَا يستلذ بِهِ رَأَيْته يدْفع بهَا مَا قابله من الالام والبليات افلا تراك تدفع بالاكل الم الْجُوع وبالشرب الم الْعَطش وباللباس الم الْحر وَالْبرد وَكَذَا سائرها وَمن هُنَا قَالَ بعض الْعُقَلَاء ان لذاتها لنا هِيَ دفع الالام لَا غير فاما اللَّذَّات الْحَقِيقِيَّة فلهَا دَار اخرى وَمحل آخر غير هَذِه فوجود هَذِه الالام وَاللَّذَّات الممتزجة المختلطة من الادلة على الْمعَاد وَأَن الْحِكْمَة الَّتِي اقْتَضَت ذَلِك هِيَ اولى باقتضاء دارين دَار خَالِصَة للذات لَا يشوبها الم مَا وَدَار خَالِصَة للالام لَا يشوبها لَذَّة مَا وَالدَّار الاولى الْجنَّة وَالدَّار الثَّانِيَة النَّار أَفلا ترى كَيفَ دلك ذَلِك مَعَ مَا انت مجبول عَلَيْهِ فِي هَذِه النشأة من اللَّذَّة والالم على الْجنَّة وَالنَّار ورايت شواهدهما وأدلة وجودهما من نَفسك حَتَّى كَأَنَّك تعاينهما عيَانًا وَانْظُر كَيفَ دلّ العيان والحس والوجود على حِكْمَة الرب تَعَالَى وعَلى صدق رسله فِيمَا اخبروا بِهِ من الْجنَّة وَالنَّار فَتَأمل كَيفَ قاد النّظر فِي حِكْمَة الله الى شَهَادَة الْعُقُول وَالْفطر بِصدق رسله وَمَا اخبروا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute