للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ تَفْصِيلًا يدل عَلَيْهِ الْعقل مُجملا فَأَيْنَ هَذَا من مقَام من اداء علمه الى الْمُعَارضَة بَين مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وَبَين شَوَاهِد الْعقل وأدلته وَلَكِن تِلْكَ الْعُقُول كادها باريها ووكلها الى انفسها فَحلت بهَا عَسَاكِر الخذلان من كل جَانب وحسبك بِهَذَا الْفَصْل وعظيم منفعَته من هَذَا الْكتاب وَالله الْمَحْمُود المسؤل تَمام نعْمَته فَهَذِهِ كَلِمَات مختصرة نافعة فِي مَسْأَلَة إيلام الاطفال لَعَلَّك لَا تظفر بهَا فِي أَكثر الْكتب فَارْجِع الان الى نَفسك وفكر فِي هَذِه الافعال الطبيعية الَّتِي جعلت فِي الانسان وَمَا فِيهَا من الْحِكْمَة وَالْمَنْفَعَة وَمَا جعل لكل وَاحِد مِنْهَا فِي الطَّبْع الْمُجَرّد والداعي الَّذِي يَقْتَضِيهِ ويستحثه فالجوع يستحث الاكل ويطلبه لما فِيهِ من قوام الْبدن وحياته ومماته والكرى يقتضى النّوم ويستحثه لما فِيهِ من رَاحَة الْبدن والاعضاء واجمام القوى وعودها الى قوتها جَدِيدَة غير كالة والشبق يَقْتَضِي الْجِمَاع الَّذِي بِهِ دوَام النَّسْل وقضاءالوطر وَتَمام اللَّذَّة فتجد هَذِه الدَّوَاعِي تستحث الانسان لهَذِهِ الامور وتتقاضاها مِنْهُ بِغَيْر اخْتِيَاره وَذَلِكَ عين الْحِكْمَة فَإِنَّهُ لَو كَانَ الانسان إِنَّمَا يَسْتَدْعِي هَذِه المستحثات إِذا اراد لَأَوْشَكَ ان يشْتَغل عَنْهَا بماي يعروه من الْعَوَارِض مُدَّة فينحل بدنه وَيهْلك ويترامى الى الْفساد وَهُوَ لَا يشْعر كَمَا إِذا احْتَاجَ بدنه الى شَيْء من الدَّوَاء وَالصَّلَاح فدافعه وَأعْرض عَنهُ حَتَّى إِذا استحكم بِهِ الدَّاء اهلكه فاقتضت حِكْمَة اللَّطِيف الْخَبِير ان جعلت فِيهِ بواعث ومستحثات تؤزه ازا الى مَا فِيهِ قوامه وبقاؤه ومصلحته وَترد عَلَيْهِ بِغَيْر اخْتِيَاره وَلَا استدعائه فَجعل لكل وَاحِد من هَذِه الافعال محرك من نفس الطبيعة يحركه ويحدوه عَلَيْهِ ثمَّ انْظُر الى مَا يُعْطِيهِ من القوى الْمُخْتَلفَة الَّتِي بهَا قوامه فَأعْطى الْقُوَّة الجاذبة الطالبة المستحثة الَّتِي تَقْتَضِي معلومها من الْغذَاء فتأخذه ويورده على الاعضاء بِحَسب قبُولهَا ثمَّ اعطى الْقُوَّة الممسكة الَّتِي تمسك الطَّعَام وتحبسه ريثما تنضجه الطبيعة وتحكم طبخه وتهيؤه لمصارفه وتبعثه لمستحقه ثمَّ اعطى الْقُوَّة الهاضمة الَّتِي تصرفه فِي الْبدن وتهضمه عَن الْمعدة ثمَّ اعطى الْقُوَّة الدافعة وَهِي الَّتِي تدفع ثقله ومالا مَنْفَعَة فِيهِ فتدفعه وتخرجه عَن الْبدن لِئَلَّا يُؤْذِيه وينهكه فَمن اعطاك هَذِه الْقُوَّة عِنْد شدَّة حَاجَتك اليها وَمن جعلهَا خَادِمًا لَك وَمن اعطاها افعالها وَاسْتعْمل كل وَاحِد مِنْهَا على غير عمل الاخر وَمن الف بَينهَا على تباينها حَتَّى اجْتمعت فِي شخص وَاحِد وَمحل وَاحِد وَلَو عادى بَينهَا كَانَ بَعْضهَا يذهب بَعْضًا فَمن كَانَ يحول بَينه وَبَين ذَلِك فلولا الْقُوَّة الجاذبة كَيفَ كنت متحركا لطلب الْغذَاء الَّذِي بِهِ قوام الْبدن وَلَوْلَا الممسكة كَيفَ كَانَ الطَّعَام يذهب فِي الْجوف حَتَّى تهضمه الْمعدة وَلَوْلَا الهاضمة كَيفَ كَانَ يطْبخ حَتَّى يخلص مِنْهُ الصفو الى سَائِر اجزاء الْبدن وأعماقه وَلَوْلَا الدافعة كَيفَ كَانَ الثّقل المؤذي الْقَاتِل لَو انحبس يخرج اولا فأولا فيستريح الْبدن فيخف

<<  <  ج: ص:  >  >>