للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينشط فَتَأمل كَيفَ وكلت هَذِه الْقُوَّة بك وَالْقِيَام بمصالحك فالبدن كدار اللملك فِيهَا حشمه وخدمه قد وكل بِتِلْكَ الدَّار اقواما يقومُونَ بمصالحها فبعضهم لاقْتِضَاء حوائجها وإيرادها عَلَيْهَا وَبَعْضهمْ لقبض الْوَارِد وحظفه وخزنه الى ان يهيأ وَيصْلح وَبَعْضهمْ يقبضهُ فيهيؤه ويصلحه ويدفعه الى اهل الدَّار ويفرقه عَلَيْهِم بِحَسب حاجاتهم وَبَعْضهمْ لمسح الدَّار وتنظيفها وكنسها من الْمَزَابِل والاقذار فالملك هُوَ الْملك الْحق الْمُبين جلّ جَلَاله وَالدَّار انت والحشم والخدم الاعضاء والجوارح والقوام عَلَيْهَا هَذِه القوى الَّتِي ذَكرنَاهَا تَنْبِيه فرق بَين نظر الطَّبِيب والطبائعي فِي هَذِه الامور فنظرهما فيهامقصور على النّظر فِي حفظ الصِّحَّة وَدفع السقم فَهُوَ ينظر فيهامن هَذِه الْجِهَة فَقَط وَبَين نظر الْمُؤمن الْعَارِف فِيهَا فَهُوَ ينظر فِيهَا من جِهَة دلالتها على خَالِقهَا وباريها وَمَاله فِيهَا من الحكم الْبَالِغَة وَالنعَم السابغة والالاء الَّتِي دَعَا الْعباد الى شكرها وَذكرهَا

تَنْبِيه ثمَّ تَأمل حِكْمَة الله عز وَجل فِي الْحِفْظ وَالنِّسْيَان الَّذِي خص بِهِ نوع الانسان وَمَاله فيهمَا من الحكم وَمَا للْعَبد فيهمَا من الْمصَالح فَإِنَّهُ لَوْلَا الْقُوَّة الحافظة الَّتِي خص بهَا لدخل عَلَيْهِ الْخلَل فِي أُمُوره كلهَا وَلم يعرف مَاله وَمَا عَلَيْهِ وَلَا مَا اخذ وَلَا مَا اعطى وَلَا مَا سمع وَرَأى وَلَا مَا قَالَ وَلَا مَا قيل لَهُ وَلَا ذكر من احسن اليه وَلَا من اساء اليه وَلَا من عَامله وَلَا من نَفعه فَيقرب مِنْهُ وَلَا من ضره فينأى عَنهُ ثمَّ كَانَ لايهتدي الى الطَّرِيق الَّذِي سلكه اول مرّة وَلَو سلكه مرَارًا وَلَا يعرف علما وَلَو درسه عمره وَلَا ينْتَفع بتجربة وَلَا يَسْتَطِيع ان يعْتَبر شَيْئا على مَا مضى بل كَانَ خليقا ان يَنْسَلِخ من الانسانية اصلا فَتَأمل عَظِيم الْمَنْفَعَة عَلَيْك فِي هَذِه الْخلال وموقع الْوَاحِدَة مِنْهَا فضلا عَن جَمِيعهنَّ وَمن اعْجَبْ النعم عَلَيْهِ نعْمَة النسْيَان فَإِنَّهُ لَوْلَا النسْيَان لما سلا شَيْئا وَلَا انْقَضتْ لَهُ حسرة وَلَا تعزى عَن مُصِيبَة وَلَا مَاتَ لَهُ حزن وَلَا بَطل لَهُ حقد وَلَا تمتّع بِشَيْء من مَتَاع الدُّنْيَا مَعَ تذكر الافات وَلَا رجا غَفلَة عَدو وَلَا نقمة من حَاسِد فَتَأمل نعْمَة الله فِي الْحِفْظ وَالنِّسْيَان مَعَ اخْتِلَافهمَا وتضادهما وَجعله فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا ضربا من الْمصلحَة تَنْبِيه ثمَّ تَأمل هَذَا الْخلق الَّذِي خص بِهِ الانسان دون جَمِيع الْحَيَوَان وَهُوَ خلق الْحيَاء الَّذِي هُوَ من افضل الاخلاق واجلها واعظمها قدرا واكثرها نفعا بل هُوَ خَاصَّة الانسانية فَمن لَا حَيَاء فِيهِ لَيْسَ مَعَه من الانسانية الا اللَّحْم وَالدَّم وصورتهم الظَّاهِرَة كَمَا انه لَيْسَ مَعَه من الْخَيْر شَيْء وَلَوْلَا هذاالخلق لم يقر الضَّيْف وَلم يوف بالوعد وَلم يؤد امانة وَلم يقْض لَاحَدَّ حَاجَة وَلَا تحرى الرجل الْجَمِيل فآثره والقبيح فتجنبه وَلَا ستر لَهُ عَورَة وَلَا امْتنع من فَاحِشَة وَكثير من النَّاس لَوْلَا الْحيَاء الَّذِي فِيهِ لم يؤد شَيْئا من الامور المفترضة عَلَيْهِ وَلم يرع لمخلوق

<<  <  ج: ص:  >  >>