للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ انكرت مَا انكرت وجحدت مَا جحدت فَبعث الله رسله مذكرين لاصحاب الْفطر الصَّحِيحَة السليمة فانقادوا طَوْعًا واختيارا ومحبة وإذعانا بِمَا جعل من شَوَاهِد ذَلِك فِي قُلُوبهم حَتَّى ان مِنْهُم من لم يسْأَل عَن المعجزة والخارق بل علم صِحَة الدعْوَة من ذَاتهَا وَعلم انها دَعْوَة حق برهانها فِيهَا ومعذرين ومقيمين الْبَيِّنَة على اصحاب الْفطر الْفَاسِدَة لِئَلَّا نحتج على الله بِأَنَّهُ مَا ارشدها وَلَا هداها فيحق القَوْل عَلَيْهَا بِإِقَامَة الْحجَّة فَلَا يكون سُبْحَانَهُ ظَالِما لَهَا بتعذيبها واشقائها وَقد بَين ذَلِك سُبْحَانَهُ فِي قَوْله {إِن هُوَ إِلَّا ذكر وَقُرْآن مُبين لينذر من كَانَ حَيا ويحق القَوْل على الْكَافرين} فَتَأمل كَيفَ ظَهرت معرفَة الله وَالشَّهَادَة لَهُ بِالتَّوْحِيدِ واثبات اسمائه وَصِفَاته ورسالة رسله والبعث للجزاء مسطورة مثبتة فِي الْفطر وَلم يكن ليعرف بهَا انها ثَابِتَة فِي فطرته فَلَمَّا ذكرته الرُّسُل ونبهته رأى مَا أَخْبرُوهُ بِهِ مُسْتَقرًّا فِي فطرته شَاهدا بِهِ عقله بل وجوارحه ولسان حَاله وَهَذَا اعظم مَا يكون من الايمان وَهُوَ الَّذِي كتبه سُبْحَانَهُ فِي قُلُوب اوليائه وخاصته فَقَالَ {أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان} فَتدبر هَذَا الْفَصْل فَإِنَّهُ من الْكُنُوز فِي هَذَا الْكتاب وَهُوَ حقيق بِأَن تثنى عَلَيْهِ الخناصر وَللَّه الْحَمد والمنه وَالْمَقْصُود ان الله سُبْحَانَهُ اعطى العَبْد من هَذِه المعارف وطرقها ويسرها عَلَيْهِ مَا لم يُعْطه من غَيرهَا لعظم حَاجته فِي معاشه ومعاده اليها ثمَّ وضع فِي الْعقل من الاقرار بِحسن شَرعه وَدينه الَّذِي هُوَ ظله فِي ارضه وعدله بَين عباده ونوره فِي الْعَالم مالوا اجْتمعت عقول الْعَالمين كلهم فَكَانُوا على عقل اعقل رجل وَاحِد مِنْهُم لما امكنهم ان يقترحوا شَيْئا احسن مِنْهُ وَلَا اعْدِلْ وَلَا اصلح وَلَا انفع للخليقة فِي معاشها ومعادها فَهُوَ اعظم آيَاته واوضح بيناته وَأظْهر حججه على انه الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَإنَّهُ المتصف بِكُل كَمَال المنزه عَن كل عيب وَمِثَال فضلا عَن ان يحْتَاج الى إِقَامَة شَاهد من خَارج عَلَيْهِ بالادلة والشواهد لتكثير طرق الْهدى وَقطع المعذرة وإزاحة الْعلَّة والشبهة ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة ويحيا من حييّ عَن بَينه وان الله لسميع عليم فَأثْبت فِي الْفطْرَة حسن الْعدْل والانصاف والصدق وَالْبر والاحسان وَالْوَفَاء بالعهد والنصيحة لِلْخلقِ وَرَحْمَة الْمِسْكِين وَنصر الْمَظْلُوم ومواساة اهل الْحَاجة والفاقة وَأَدَاء الامانات ومقابلة الاحسان بالاحسان والاساءة بِالْعَفو والصفح وَالصَّبْر فِي مَوَاطِن الصَّبْر والبذل فِي مَوَاطِن الْبَذْل والانتقام فِي مَوضِع الانتقام والحلم فِي مَوضِع الْحلم والسكينة وَالْوَقار والرأفة والرفق والتؤدة وَحسن الاخلاق وَجَمِيل المعاشرة مَعَ الاقارب والاباعد وَستر العورات وإقالة العثرات والايثار عِنْد الْحَاجَات واغاثة اللهفات وتفريج الكربات والتعاون على انواع

<<  <  ج: ص:  >  >>