للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّفْظِيّ الَّذِي يعبر بِهِ عَن تِلْكَ المعلومات ويترجم عَنْهَا فِيهِ لغيره الثَّالِث الْبَيَان الرسمي الخطي الَّذِي يرسم بِهِ تِلْكَ الالفاظ فيتبين النَّاظر مَعَانِيهَا كَمَا يتَبَيَّن للسامع مَعَاني الالفاظ فَهَذَا بَيَان للعين وَذَاكَ بَيَان للسمع والاول بَيَان للقلب وَكَثِيرًا مَا يجمع سُبْحَانَهُ بَين هَذِه الثَّلَاثَة كَقَوْلِه {إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا} وَقَوله {وَالله أخرجكم من بطُون أُمَّهَاتكُم لَا تعلمُونَ شَيْئا وَجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تشكرون} ويذم من عدم الِانْتِفَاع بهَا فِي اكْتِسَاب الْهدى وَالْعلم النافع كَقَوْلِه {صم بكم عمي} وَقَوله {ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم غشاوة} وَقد تقدم بسط هَذَا الْكَلَام تَنْبِيه ثمَّ تَأمل حِكْمَة اللَّطِيف الْخَبِير فِيمَا اعطى الانسان علمه بِمَا فِيهِ صَلَاح معاشه ومعاده وَمنع عَنهُ علم مَالا حَاجَة لَهُ بِهِ فجهله بِهِ لَا يضر وَعلمه بِهِ لَا ينْتَفع بِهِ انتفاعا طائلا ثمَّ يسر عَلَيْهِ طرق مَا هُوَ مُحْتَاج اليه من الْعلم اتم تيسير وَكلما كَانَت حَاجته اليه من الْعلم اعظم كَانَ تيسيره اياه عَلَيْهِ اتم فاعطاه معرفَة خالقه وبارئه ومبدعه سُبْحَانَهُ والاقرار بِهِ وَيسر عَلَيْهِ طرق هَذِه الْمعرفَة فَلَيْسَ فِي الْعُلُوم مَا هُوَ اجل مِنْهَا وَلَا اظهر عِنْد الْعقل والفطرة وَلَيْسَ فِي طرق الْعُلُوم الَّتِي تنَال بهَا أَكثر من طرقها وَلَا أدل وَلَا ابين وَلَا اوضح فَكلما ترَاهُ بِعَيْنِك اَوْ تسمعه بأذنك اوتعقله بقلبك وَكلما يخْطر ببالك وَكلما نالته حاسة من حواسك فَهُوَ دَلِيل على الرب تبَارك وَتَعَالَى فطرق الْعلم بالصانع فطرية ضَرُورِيَّة لَيْسَ فِي الْعُلُوم اجلي مِنْهَا وكل مَا اسْتدلَّ بِهِ على الصَّانِع فالعلم بِوُجُودِهِ اظهر من دلَالَته وَلِهَذَا قَالَت الرُّسُل لاممهم افي الله شكّ فخاطبوهم مُخَاطبَة من لَا يَنْبَغِي ان يخْطر لَهُ شكّ مَا فِي وجود الله سُبْحَانَهُ وَنصب من الادلة على وجوده وحدانيته وصفات كَمَاله الادلة على اخْتِلَاف انواعها وَلَا يُطيق حصرها إِلَّا الله ثمَّ ركز ذَلِك فِي الْفطْرَة وَوَضعه فِي الْعقل جملَة ثمَّ بعث الرُّسُل مذكرين بِهِ وَلِهَذَا يَقُول تَعَالَى فَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ وَقَوله {فَذكر إِن نَفَعت الذكرى} وَقَوله {إِنَّمَا أَنْت مُذَكّر} وَقَوله {فَمَا لَهُم عَن التَّذْكِرَة معرضين} وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن ومفصلين لما فِي الْفطْرَة وَالْعقل الْعلم بِهِ جملَة فَانْظُر كَيفَ وجد الاقرار بِهِ وبتوحيده وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله وحكمته فِي خلقه وَأمره الْمُقْتَضِيَة إِثْبَات رِسَالَة رسله ومجازات المحسن بإحسانه والمسيء بإسائته مودعا فِي الْفطْرَة مركوزا فِيهَا فَلَو خليت على مَا خلقت عَلَيْهِ لم يعرض لَهَا مَا يُفْسِدهَا ويحولها ويغيرها عَمَّا فطرت عَلَيْهِ ولأقرت بوحدنيه وَوُجُوب شكره وطاعته وبصفاته وحكمته فِي أَفعاله وبالثواب وَالْعِقَاب وَلكنهَا لما فَسدتْ وانحرفت عَن الْمنْهَج الَّذِي خلقت

<<  <  ج: ص:  >  >>