للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخلف مَذَاهِب السّلف وَكَانَ مُعظم الْخلَل الدَّاخِل على النَّاس فِي دينهم ودنياهم إنمايعتريهم من النسْيَان الَّذِي يمحو صور الْعلم من قُلُوبهم فَجعل لَهُم الْكتاب وعَاء حَافِظًا للْعلم من الضّيَاع كالأوعية الَّتِي تحفظ الامتعة من الذّهاب والبطلان فنعمة الله عَن وَجل بتعليم الْقَلَم بعد الْقُرْآن من اجل النعم والتعليم بِهِ وَإِن كَانَ مِمَّا يخلص اليه الانسان بالفطنة وَالْحِيلَة فَإِنَّهُ الَّذِي بلغ بِهِ ذَلِك وأوصله اليه عَطِيَّة وَهبهَا الله مِنْهُ وَفضل اعطاه الله إِيَّاه وَزِيَادَة فِي خلقه وفضله فَهُوَ الَّذِي علمه الْكِتَابَة وَإِن كَانَ هُوَ المتعلم فَفعله فعل مُطَاوع لتعليم الَّذِي علم بالقلم فَإِن علمه فتعلم كَمَا انه علمه الْكَلَام فَتكلم هَذَا وَمن اعطاه الذِّهْن الَّذِي يعي بِهِ وَاللِّسَان الَّذِي يترجم بِهِ والبنان الَّذِي يحط بِهِ وَمن هيأ ذهنه لقبُول هَذَا التَّعْلِيم دون سَائِر الْحَيَوَانَات وَمن الَّذِي انطق لِسَانه وحرك بنانه وَمن الَّذِي دعم البنان بالكف ودعم الْكَفّ بالساعد فكم لله من آيَة نَحن غافلون عَنْهَا فِي التَّعَلُّم بالقلم فقف وَقْفَة فِي حَال الْكِتَابَة وَتَأمل حالك وَقد امسكت الْقَلَم وَهُوَ جماد وَضعته على القرطاس وَهُوَ جماد فتولد من بَينهمَا انواع الحكم واصناف الْعُلُوم وفنون المراسلات والخطب وَالنّظم والنثر وجوابات الْمسَائِل فَمن الَّذِي اجرى فلك الْمعَانِي على قَلْبك ورسمها فِي ذهنك ثمَّ اجرى الْعبارَات الدَّالَّة عَلَيْهَا على لسَانك ثمَّ حرك بهَا بنانك حَتَّى صَارَت نقشا عجيبا مَعْنَاهُ اعْجَبْ من صورته فتقضى بِهِ مآربك وتبلغ بِهِ حَاجَة فِي صدرك وترسله الى الاقطار النائية والجهات المتباعدة فَيقوم مقامك ويترجم عَنْك وَيتَكَلَّم على لسَانك وَيقوم مقَام رَسُولك ويجدي عَلَيْك مَالا يجدي من ترسله سوى من علم بالقلم علم الانسان مَا لم يعلم والتعليم بالقلم يتسلزم الْمَرَاتِب الثَّلَاثَة مرتبَة الْوُجُود الذهْنِي والوجود اللَّفْظِيّ والوجود الرسمي فقد دلّ التَّعْلِيم بالقلم على انه سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُعْطِي لهَذِهِ الْمَرَاتِب وَدلّ قَوْله خلق على انه يعْطى الْوُجُود الْعَيْنِيّ فدلت هَذِه الايات مَعَ اختصارها ووجازتها وفصاحتها على ان مَرَاتِب الْوُجُود بأسرها مُسندَة اليه تَعَالَى خلقا وتعليما وَذكر خلقين وتلعيمين خلقا عَاما وخلقا خَاصّا وتعليما خَاصّا وتعليما عَاما وَذكر من صِفَاته هَا هُنَا اسْم الاكرم الَّذِي فِيهِ كل خير وكل كَمَال فَلهُ كل كَمَال وَصفا وَمِنْه كل خير فعلا فَهُوَ الاكرم فِي ذَاته وأوصافه وأفعاله وَهَذَا الْخلق والتعليم إِنَّمَا نَشأ من كرمه وبره وإحسانه لَا من حَاجَة دَعَتْهُ الى ذَلِك وَهُوَ الْغَنِيّ الحميد وَقَوله تَعَالَى {الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان} دلّت هَذِه الْكَلِمَات على إِعْطَائِهِ سُبْحَانَهُ مَرَاتِب الْوُجُود بأسرها فَقَوله خلق الانسان إِخْبَار عَن الايجاد الْخَارِجِي الْعَيْنِيّ وَخص الانسان بالخلق لما تقدم وَقَوله علم الْقُرْآن إِخْبَار عَن إِعْطَاء الْوُجُود العلمي الذهْنِي فَإِنَّمَا تعلم الانسان الْقُرْآن بتعليمه كَمَا انه إِنَّمَا صَار إنْسَانا بخلقه فَهُوَ الَّذِي خلقه وَعلمه ثمَّ قَالَ علمه الْبَيَان وَالْبَيَان يتَنَاوَل مَرَاتِب راتب ثَلَاثَة كل مِنْهَا يُسمى بَيَانا احدها الْبَيَان الذهْنِي الَّذِي يُمَيّز فِيهِ بَين المعلومات الثَّانِي الْبَيَان

<<  <  ج: ص:  >  >>