للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطائفة الاولى جحدت الْحِكْمَة وَالثَّانيَِة جحدت الْقُدْرَة والامة الْوسط اثبتت لَهُ كَمَال الْحِكْمَة وَكَمَال الْقُدْرَة فالفرقة الاولى تشهد فِي الْمعْصِيَة مُجَرّد الْمَشِيئَة والخلق العاري عَن الْحِكْمَة وَرُبمَا شهِدت الْجَبْر وَأَن حركاتهم بِمَنْزِلَة حركات الاشجار وَنَحْوهَا والفرقة الثَّانِيَة تشهد فِي الْمعْصِيَة مُجَرّد كَونهَا فاعلة محدثة مختارة هِيَ الَّتِي شَاءَت ذَلِك بِدُونِ مَشِيئَة الله والامة الْوسط تشهد عز الربوبية وقهر الْمَشِيئَة ونفوذها فِي كل شَيْء وَتشهد مَعَ ذَلِك فعلهَا وكسبها واختيارها وايثارها شهواتها على مرضات رَبهَا فَيُوجب الشُّهُود الاول لَهَا سُؤال رَبهَا والتذلل والتضرع لَهُ ان يوفقها لطاعته ويحول بَينهَا وَبَين مَعْصِيَته وان يثبتها على دينه ويعصمها بطواعيته وَيُوجب الشُّهُود الثَّانِي لَهَا اعترافها بالذنب وإقرارها بِهِ على نَفسهَا وَأَنَّهَا هِيَ الظالمة الْمُسْتَحقَّة للعقوبة وتنزيه رَبهَا عَن الظُّلم وان يعذبها بِغَيْر اسْتِحْقَاق مِنْهَا اَوْ يعذبها على مَا لم تعمله فيجتمع لَهَا من الشهودين شُهُود التَّوْحِيد وَالشَّرْع وَالْعدْل وَالْحكمَة وَقد ذكرنَا فِي الفتوحات القدسية مشَاهد الْخلق فِي مواقعة الذَّنب وانها تَنْتَهِي الى ثَمَانِيَة مشَاهد احدها المشهد الحيواني البهيمي الَّذِي شُهُود صَاحبه مَقْصُور على شهوات لذته بِهِ فَقَط وَهُوَ فِي هَذَا المشهد مشارك لجَمِيع الْحَيَوَانَات وَرُبمَا يزِيد عَلَيْهَا فِي اللَّذَّة وَكَثْرَة التَّمَتُّع وَالثَّانِي مشْهد الْجَبْر وان الْفَاعِل فِيهِ سواهُ والمحرك لَهُ غَيره وَلَا ذَنْب لَهُ هُوَ وَهَذَا مشْهد الْمُشْركين واعداء الرُّسُل الثَّالِث مشْهد الْقدر وَهُوَ انه هُوَ الْخَالِق لفعله الْمُحدث لَهُ بِدُونِ مَشِيئَة الله وخلقه وَهَذَا مشْهد الْقَدَرِيَّة الْمَجُوسِيَّة الرَّابِع مشْهد اهل الْعلم والايمان وَهُوَ مشْهد الْقدر وَالشَّرْع يشْهد فعله وَقَضَاء الله وَقدره كَمَا تقدم الْخَامِس مشْهد الْفقر والفاقة وَالْعجز والضعف وانه إِن لم يعنه الله ويثبته ويوفقه فَهُوَ هَالك وَالْفرق بَين مشْهد هَذَا ومشهد الجبرية ظَاهر السَّادِس مشْهد التَّوْحِيد وَهُوَ الَّذِي يشْهد فِيهِ إنفراد الله عز وَجل بالخلق والابداع ونفوذ الْمَشِيئَة وان الْخلق اعجز من ان يعصوه بِغَيْر مَشِيئَته وَالْفرق بَين هَذَا المشهد وَبَين المشهد الْخَامِس ان صَاحبه شَاهد لكَمَال فقره وَضَعفه وَحَاجته وَهَذَا شَاهد لِتَفَرُّد الله بالخلق والابداع وَأَنه لَا حول وَلَا قُوَّة الا بِهِ السَّابِع مشْهد الْحِكْمَة وَهُوَ ان يشْهد حِكْمَة الله عز وَجل فِي قَضَائِهِ وتخليته بَين العَبْد والذنب وَللَّه فِي ذَلِك حكم تعجز الْعُقُول عَن الاحاطة بهَا وَذكرنَا مِنْهَا فِي ذَلِك الْكتاب قَرِيبا من اربعين حِكْمَة وَقد تقدم فِي اول هَذَا الْكتاب التَّنْبِيه على بَعْضهَا الثَّامِن مشْهد الاسماء وَالصِّفَات وَهُوَ ان يشْهد ارتباط الْخلق والامر وَالْقَضَاء وَالْقدر بأسمائه تَعَالَى وَصِفَاته وان ذَلِك مُوجبهَا ومقتضاها فأسماؤه الْحسنى اقْتَضَت مَا اقتضته من التَّخْلِيَة بَين العَبْد وَبَين الذَّنب فَإِنَّهُ الْغفار التواب الْعَفو الْحَلِيم وَهَذِه اسماء تطلب آثارها وموجباتها وَلَا بُد فَلَو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بِقوم يذنبون فيستغفرون فَيغْفر لَهُم وَهَذَا المشهد وَالَّذِي قبله اجل هَذِه الْمشَاهد واشرفها وارفعها قدرا

<<  <  ج: ص:  >  >>