للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة ثمَّ أخبر عَن جهل من رغب عَن مِلَّة إِبْرَاهِيم وسفه ونقصان عقله ثمَّ أكد عَلَيْهِم أَن يَكُونُوا على مِلَّة إِبْرَاهِيم وَأَنَّهُمْ إِن خَرجُوا عَنْهَا إِلَى يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة أَو غَيرهَا كَانُوا ضلالا غير مهتدين وَهَذِه كلهَا مُقَدمَات بَين يَدي الْأَمر باستقبال الْكَعْبَة لمن تأملها وتدبرها وَعلم ارتباطها بشأن الْقبْلَة فَإِنَّهُ يعلم بذلك عَظمَة الْقُرْآن وجلالته وتنبيهه على كَمَال دينه وَحسنه وجلالته وَأَنه هُوَ عين الْمصلحَة لِعِبَادِهِ لَا مصلحَة لَهُم سواهُ وشوق بذلك النُّفُوس إِلَى الشَّهَادَة لَهُ بالْحسنِ والكمال وَالْحكمَة التَّامَّة فَلَمَّا قرر ذَلِك كُله أعلمهم بِمَا سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس إِذا تركُوا قبلتهم لِئَلَّا يفجأهم من غير علم بِهِ فيعظم موقعه عِنْدهم فَلَمَّا وَقع لم يهلهم وَلم يصعب عَلَيْهِم بل أخبر أَن لَهُ الْمشرق وَالْمغْرب يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ثمَّ أخبر انه كَمَا جعلهم أمة وسطا خيارا اخْتَار لَهُم أَوسط جِهَات الِاسْتِقْبَال وَخَيرهَا كَمَا اخْتَار لَهُم خير الْأَنْبِيَاء وَشرع لَهُم خير الْأَدْيَان وَأنزل عَلَيْهِم خير الْكتب وجعلهم شُهَدَاء على النَّاس كلهم لكَمَال فَضلهمْ وعلمهم وعدالتهم وَظَهَرت حكمته فِي أَن اخْتَار لَهُم أفضل قبْلَة وَأَشْرَفهَا لتتكامل جِهَات الْفضل فِي حَقهم بالقبلة وَالرَّسُول وَالْكتاب والشريعة ثمَّ نبه سُبْحَانَهُ على حكمته الْبَالِغَة فِي أَن جعل الْقبْلَة أَولا هِيَ بَيت الْمُقَدّس ليعلم سُبْحَانَهُ وَاقعا فِي الْخَارِج مَا كَانَ مَعْلُوما لَهُ قبل وُقُوعه من يتبع الرَّسُول فِي جَمِيع أَحْوَاله وينقاد لَهُ ولأوامر الرب تَعَالَى ويدين بهَا كَيفَ كَانَت وَحَيْثُ كَانَت فَهَذَا هُوَ الْمُؤمن حَقًا الَّذِي أعْطى الْعُبُودِيَّة حَقّهَا وَمن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ مِمَّن لم يرسخ فِي الْإِيمَان قلبه وَلم يسْتَقرّ عَلَيْهِ قدمه فعارض وَأعْرض وَرجع على حَافره وَشك فِي النُّبُوَّة وخالط قلبه شُبْهَة الْكفَّار الَّذين قَالُوا أَن كَانَت الْقبْلَة الأولى حَقًا فقد خَرجْتُمْ عَن الْحق وَأَن كَانَت بَاطِلا فقد كُنْتُم على بَاطِل وضاق عقله المنكوس عَن الْقسم الثَّالِث الْحق وَهُوَ أَنَّهَا كَانَت حَقًا ومصلحة فِي الْوَقْت الأول ثمَّ صَارَت مفْسدَة بَاطِلَة الِاسْتِقْبَال فِي الْوَقْت الثَّانِي وَلِهَذَا أخبر سُبْحَانَهُ عَن عظم شَأْن هَذَا التَّحْوِيل والنسخ فِي الْقبْلَة فَقَالَ وَأَن كَانَت لكبيرة إِلَّا على الَّذين هدى الله ثمَّ أخبر أَنه سُبْحَانَهُ لم يكن يضيع مَا تقدم لَهُم من الصَّلَوَات إِلَى الْقبْلَة الأولى وَأَن رأفته وَرَحمته بهم تأبي إِضَاعَة ذَلِك عَلَيْهِم وَقد كَانَ طَاعَة لَهُم فَلَمَّا قرر سُبْحَانَهُ ذَلِك كُله وَبَين حسن هَذِه الْجِهَة بعظمة الْبَيْت وعلو شَأْنه وجلالته قَالَ قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء فلنولينك قبْلَة ترضاها فول وَجهك شطر الْمَسْجِد الْحَرَام وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره وأكد ذَلِك عَلَيْهِم مرّة بعد مرّة اعتناء بِهَذَا الشَّأْن وتفخيما لَهُ وَأَنه شَأْن يَنْبَغِي الاعتناء بِهِ والاحتفال بأَمْره فندبر هَذَا الاعتناء وَهَذَا التَّقْرِير وَبَيَان الْمصَالح الناشئة من هَذَا الْفَرْع من فروع الشَّرِيعَة وَبَيَان الْمَفَاسِد الناشئة من خِلَافه وان كل جِهَة فِي وَقتهَا كَانَ استقبالها هُوَ الْمصلحَة وَأَن للرب تَعَالَى الْحِكْمَة الْبَالِغَة فِي شرع الْقبْلَة الأولى وتحويل عباده عَنْهَا إِلَى الْمَسْجِد

<<  <  ج: ص:  >  >>