للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَوله وَلم يعدمه جملَة وَمن فهم هَذَا فهم مَسْأَلَة الْمعَاد وَمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل فِيهِ فَإِن الْقُرْآن وَالسّنة إِنَّمَا دلا على تَغْيِير الْعَالم وتحويله وتبديله لَا جعله عدما مَحْضا وإعدامه بِالْكُلِّيَّةِ فَدلَّ على تَبْدِيل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات وعَلى تشقق السَّمَاء وانفطارها وتكوير الشَّمْس وانتثار الْكَوَاكِب وسجر الْبحار وإنزال الْمَطَر على أَجزَاء بنى آدم المختلطة بِالتُّرَابِ فينبتون كَمَا ينْبت النَّبَات وَترد تِلْكَ الْأَرْوَاح بِعَينهَا إِلَى تِلْكَ الأجساد الَّتِي أحيلت ثمَّ أنشئت نشأة أُخْرَى وَكَذَلِكَ الْقُبُور تبعثر وَكَذَلِكَ الْجبَال تسير ثمَّ تنسف وَتصير كالعهن المنفوش وتقيء الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة أفلاذ كَبِدهَا أَمْثَال الاسطوان من الذَّهَب وَالْفِضَّة وتميد الأَرْض وتدنو والشحى من رُؤْس النَّاس فَهَذَا هُوَ الَّذِي أخبر بِهِ الْقُرْآن وَالسّنة وَلَا سَبِيل لَاحَدَّ من الْمَلَاحِدَة الفلاسفة وَغَيرهم إِلَى الِاعْتِرَاض على هَذَا الْمعَاد الَّذِي جَاءَت بِهِ الرُّسُل بِحرف وَاحِد وَإِنَّمَا اعتراضاتهم على الْمعَاد الَّذِي عَلَيْهِ طَائِفَة من الْمُتَكَلِّمين أَن الرُّسُل جاؤا بِهِ وَهُوَ أَن الله يعْدم أَجزَاء الْعَالم الْعلوِي والسفلي كلهَا فيجعلها عدما مَحْضا ثمَّ يُعِيد ذَلِك الْعَدَم وجودا وَيَا لَيْت شعري أَيْن فِي الْقُرْآن وَالسّنة أَن الله يعْدم ذرات الْعَالم وأجزاءه جملَة ثمَّ يقلب ذَلِك الْعَدَم وجودا وَهَذَا هُوَ الْمعَاد الَّذِي أنكرته الفلاسفة ورمته بأنواع الاعتراضات وضروب الالزامات وَاحْتَاجَ المتكلمون إِلَى تعسف الْجَواب وَتَقْرِيره بأنواع من المكابرات وَأما الْمعَاد الَّذِي أخْبرت بِهِ الرُّسُل فبريء من ذَلِك كُله مصون عَنهُ لَا مطمع لِلْعَقْلِ فِي الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ وَلَا يقْدَح فِيهِ شُبْهَة وَاحِد وَقد أخبر سُبْحَانَهُ أَنه يحي الْعِظَام بعد مَا صَارَت رميما وَأَنه قد علم مَا تنقص الأَرْض من لُحُوم بني آدم وعظامهم فَيرد ذَلِك إِلَيْهِم عِنْد النشأة الثَّانِيَة وَأَنه ينشىء تِلْكَ الأجساد بِعَينهَا بعد مَا بليت نشأه أخري وَيرد إِلَيْهَا تِلْكَ الْأَرْوَاح فَلم يدل على أَنه يعْدم تِلْكَ الْأَرْوَاح ويفنيها حَتَّى تصير عدما مَحْضا فَلم يدل الْقُرْآن على أَنه يعْدم تِلْكَ الْأَرْوَاح ثمَّ يخلقها خلقا جَدِيدا وَلَا دلّ على أَنه يفني الأَرْض وَالسَّمَوَات ويعدمهما عدما صرفا ثمَّ يجدد وجودهما وَإِنَّمَا دلّت النُّصُوص على تبديلهما وتغييرهما من حَال إِلَى حَال فَلَو أَعْطَيْت النُّصُوص حَقّهَا لارتفع أَكثر النزاع من الْعَالم وَلَكِن خفيت النُّصُوص وَفهم مِنْهَا خلاف مرادها وانضاف إِلَى ذَلِك تسليط الآراء عَلَيْهَا وَاتِّبَاع مَا تقضى بِهِ فتضاعف الْبلَاء وَعظم الْجَهْل واشتدت المحنة وتفاقم الْخطب وَسبب ذَلِك كُله الْجَهْل بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول وبالمراد مِنْهُ فَلَيْسَ للْعَبد أَنْفَع من سمع مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول وعقل مَعْنَاهُ وَأما من لم يسمعهُ وَلم يعقله فَهُوَ من الَّذين قَالَ الله فيهم وَقَالُوا لَو كُنَّا نسْمع أَو نعقل مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السعير فلنرجع إِلَى الْكَلَام عَن الدَّلِيل الْمَذْكُور وَهُوَ أَن الْحسن أَو الْقبْح لَو كَانَ ذاتيا لما اخْتلف إِلَى آخِره فَنَقُول قد بَينا أَن اختلافه بِحَسب الْأَزْمِنَة والأمكنة وَالْأَحْوَال والشروط لَا يُخرجهُ عَن كَونه ذاتيا الثَّانِي أَنه لَيْسَ الْمَعْنى من كَونه ذاتيا إِلَّا أَنه ناشىء من الْفِعْل فالفاعل منشؤه وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>