للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلْزم حسنه غَائِبا إِلَّا بطرِيق قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد وَهُوَ فَاسد لوضوح الْفرق الْمَانِع من الْقيَاس وَالَّذِي يقطع دابر الْقيَاس أَن السَّيِّد لَو رأى عبيده وإماءه يموج بَعضهم فِي بعض ويركبون الظُّلم وَالْفَوَاحِش وَهُوَ مطلع عَلَيْهِم قَادر على مَنعهم لقبح ذَلِك مِنْهُ وَالله عز وَجل قد فعل ذَلِك بعباده بل أعانهم وأمدهم وَلم يقبح مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَلَا يَصح قَوْلهم انه سُبْحَانَهُ تَركهم لينزجروا بِأَنْفسِهِم ليستحقوا الثَّوَاب لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قد علم أَنهم لَا ينزجرون وَلم لم يمنعهُم قهرا فكم من مَمْنُوع من الْفَوَاحِش لعِلَّة وَعجز وَذَلِكَ أحسن من تَمْكِينه مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ لَا ينزجر وَبِالْجُمْلَةِ فَقِيَاس أَفعَال الله على أَفعَال الْعباد بَاطِل قطعا ومحض التَّشْبِيه فِي الْأَفْعَال وَلِهَذَا جمعت الْمُعْتَزلَة الْقَدَرِيَّة بَين التعطيل فِي الصِّفَات والتشبيه فِي الْأَفْعَال فهم معطلة مشبهة لباسهم معلم من الطَّرفَيْنِ كَيفَ وَأَن إنقاذ الغريق الَّذِي استدللتم بِهِ حجَّة عَلَيْكُم فَإِن نفس الإغراق والإهلاك يحسن مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَلَا يقبح وَهُوَ أقبح شَيْء منا فالأنقاذ إِن كَانَ حسنا فالإغراق يجب أَن يكون قبيحا فَإِن قُلْتُمْ لَعَلَّ فِي ضمن الإغراق والإهلاك سرا لم نطلع عَلَيْهِ وغرضا لم نصل إِلَيْهِ فقدروا مثله فِي ترك إنقاذنا نَحن للغرقى بل فِي إهلاكنا لمن نهلكه والفعلان من حَيْثُ التَّكْلِيف والإيجاب مستويان عقلا وَشرعا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يتَضَرَّر بِمَعْصِيَة العَبْد وَلَا ينْتَفع بِطَاعَتِهِ وَلَا تتَوَقَّف قدرته فِي الْإِحْسَان إِلَى العَبْد على فعل يصدر من العَبْد بل كلما أنعم عَلَيْهِ ابْتِدَاء بأجزل الْمَوَاهِب وَأفضل العطايا من حسن الصُّورَة وَكَمَال الْخلقَة وقوام البنية وإعداد الْآلَة وإتمام الأداة تَعْدِيل الْقَامَة وَمَا متعهُ بِهِ من روح الْحَيَاة وفضله من حَيَاة الْأَرْوَاح وَمَا أكْرمه بِهِ من قبُول الْعلم وهداه إِلَى مَعْرفَته الَّتِي هِيَ أَسْنَى جوائزه وَأَن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها فَهُوَ سُبْحَانَهُ أقدر على الإنعام عَلَيْهِ دواما فَكيف يُوجب على العبيد عبَادَة شاقة فِي الْحَال لارتقاب ثَوَاب فِي ثَانِي الْحَال أَلَيْسَ لَو ألقِي إِلَيْهِ زِمَام الِاخْتِيَار حَتَّى يفعل مَا يَشَاء جَريا على سوق طبعه المائل إِلَى لذيذ الشَّهَوَات ثمَّ أجزل لَهُ فِي الْعَطاء من غير حِسَاب كَانَ ذَلِك أروح للْعَبد وَلم يكن قبيحا عِنْد الْعقل فقد تعَارض الْأَمْرَانِ:

أَحدهمَا أَن يكلفهم فيأمر وَينْهى حَتَّى يطاع ويعصى ثمَّ يثيبهم ويعاقبهم على فعلهم الثَّانِي أَنه لَا يكلفهم بِأَمْر وَلَا نهى إِذْ لَا ينْتَفع سُبْحَانَهُ مِنْهُم بِطَاعَة لَا يتَضَرَّر مِنْهُم بِمَعْصِيَة كلا بل لَا تكون نعمه ثَوابًا بل ابْتِدَاء وَإِذا تعَارض فِي الْعُقُول هَذَانِ الْأَمْرَانِ فَكيف يَهْتَدِي الْعقل إِلَى اخْتِيَار أَحدهمَا حَقًا وقطعا فَكيف تعرفنا الْعُقُول وجوبا على النَّفس بالمعرفة وعَلى الْجَوَارِح بِالطَّاعَةِ وعَلى الْبَارِي سُبْحَانَهُ بالثواب وَالْعِقَاب قَالُوا وَلَا سِيمَا على أصُول الْمُعْتَزلَة الْقَدَرِيَّة فَإِن التَّكْلِيف بِالْأَمر والنهى والإيجاب من الله لَا حَقِيقَة لَهُ على أصلهم فَإِنَّهُ لَا يرجع إِلَى ذَات الرب تَعَالَى صفة يكون بهَا آمرا ناهيا مُوجبا مُكَلّفا بِالْأَمر والنهى لِلْخلقِ وَمَعْلُوم أَنه لَا يرجع إِلَى ذَاته من الْخلق صفة

<<  <  ج: ص:  >  >>