للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعقل عِنْدهم إِنَّمَا يعرفهُ على هَذِه الصّفة ويستحيل عِنْدهم أَن يعرفهُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي وَيطْلب مِنْهُ شَيْئا أَو يَأْمُرهُ وينهاه بِشَيْء كَمَا يعقل كَمَا يعقل الْأَمر وَالنَّهْي بِالطَّلَبِ الْقَائِم بالآمر والناهي فَإِذا لم يقم بِهِ طلب اسْتَحَالَ أَن يكون آمرا ناهيا فغاية الْعقل عِنْدهم أَن يعرفهُ على صفة يَسْتَحِيل عَلَيْهِ الاتصاف بِالْأَمر والنهى فَكيف يعرفهُ على صفة يُرِيد مِنْهُ طَاعَة فَيسْتَحق عَلَيْهَا ثَوابًا أَو يكره مِنْهُ مَعْصِيّة يسْتَحق عَلَيْهَا عقَابا وَإِذ لَا أَمر وَلَا نهى يعقل فَلَا طَاعَة وَلَا مَعْصِيّة إِذا هما فرع الْأَمر والنهى فَلَا ثَوَاب وَلَا عِقَاب إِذْ هما فرع الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَغَايَة مَا يَقُولُونَ أَنه يخلق فِي الْهَوَاء أَو فِي بَحر أفعل أَو لَا تفعل بِشَرْط أَن لَا يدل الْأَمر والنهى الْمَخْلُوق على صفة فِي ذَاته غير كَونه عَالما قَادِرًا وَمَعْلُوم أَن هَذَا لَا يدل أَلا على كَون الْفَاعِل قَادِرًا عَالما حَيا مرِيدا لفعله وَأما دلَالَته على حَقِيقَة الْأَمر والنهى المستلزمة للطاعة وَالْمَعْصِيَة المستلزمين للثَّواب وَالْعِقَاب فَلَا فتعرف من ذَلِك أَن من نفي قيام الْكَلَام وَالْأَمر والنهى بِذَات الله لم يُمكنهُ إِثْبَات التَّكْلِيف على العَبْد أبدا وَلَا إِثْبَات حكم للْفِعْل بِحسن وَلَا قبح وَفِي ذَلِك إبِْطَال الشَّرَائِع جملَة مَعَ استنادها إِلَى قَول من قَامَت الْبَرَاهِين على صدقه ودلت المعجزة على نبوته فضلا عَن الْأَحْكَام الْعَقْلِيَّة المتعارضة المستندة إِلَى عادات النَّاس الْمُخْتَلفَة بِالْإِضَافَة وَالنّسب والأزمنة والأمكنة والأقوال وَقد عرف بِهَذَا أَن من نفي قَول الله وَكَلَامه فقد نفي التَّكْلِيف جملَة وَصَارَ من أَخبث الْقَدَرِيَّة وشرهم مقَالَة حَيْثُ أثبت تكليفا وإيجابا وتحريما بِلَا أَمر وَلَا نهي وَلَا اقْتِضَاء وَلَا طلب وَهَذِه مقدرته فِي حق الرب تَعَالَى وَأثبت فعلا وَطَاعَة ومعصية بِلَا فَاعل وَلَا مُحدث وَهَذِه مقدرته فِي حق العَبْد فليتنبه لهَذِهِ الثَّلَاثَة

قَالُوا وَأَيْضًا فَمَا من معنى يستنبط من قَول أَو فعل ليربط بِهِ حكم مُنَاسِب لَهُ إِلَّا وَمن جنسه فِي الْعقل أَمر آخر يُعَارضهُ يُسَاوِيه فِي الدرجَة أَو يفضل عَلَيْهِ فِي الْمرتبَة فيتحير الْعقل فِي الِاخْتِيَار إِلَى أَن يرد شرع يخْتَار أَحدهمَا ويرجحه من تلقائة فَيجب على الْعَاقِل اعْتِبَاره واختياره لترجيح الشَّرْع لَهُ لَا لرجحانه فِي نَفسه ونضرب لذَلِك مِثَالا فَنَقُول إِذا قتل إِنْسَان مثله عرض لِلْعَقْلِ الصَّرِيح هَاهُنَا آراء متعارضة

مُخْتَلفَة مِنْهَا أَنه يجب أَن يقتل قصاصا ردعا للجناة وزجرا للطغاة وحفظا للحياة وشفاء للغيظ وتبريدا لحر الْمُصِيبَة اللاحقة لأولياء الْقَتِيل ويعارضه معنى آخر أَنه إِتْلَاف بازاء إِتْلَاف وعدوان فِي مُقَابلَة عدوان وَلَا يحيا الأول بقتل الثَّانِي فَفِيهِ تَكْثِير الْمفْسدَة بإعدام النفسين وَأما مصلحَة الردع والزجر واستبقاء النَّوْع فَأمر متوهم وَفِي الْقصاص اسْتِهْلَاك مُحَقّق فقد تعَارض الْأَمر ان وَرُبمَا يُعَارضهُ أَيْضا معنى ثَالِث وَرَاء هما فيفكر الْعقل أيراعى شَرَائِط آخر وَرَاء مُجَرّد الإنسانية من الْعقل وَالْبُلُوغ وَالْعلم وَالْجهل والكمال وَالنَّقْص والقرابة والأجنبية أَولا فيتحير الْعقل كل التحير فَلَا بُد إِذا من شَارِع يفصل هَذِه الخطة ويقرر قانونا يطرد عَلَيْهِ أَمر الْأمة وتستقيم عَلَيْهِ مصالحهم

<<  <  ج: ص:  >  >>