للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَظهر بِهَذَا أَن الْمعَانِي المستنبطة إِذا كَانَت رَاجِعَة إِلَى مُجَرّد استنباط الْعقل فَيلْزم من ذَلِك أَن تكون الْحَرَكَة الْوَاحِدَة مُشْتَمِلَة على صِفَات متناقضة واحوال متنافرة وَلَيْسَ معنى قَوْلنَا أَن الْعقل استنبط مِنْهَا أَنَّهَا كَانَت مَوْجُودَة فِي الشَّيْء فاستخرجها الْعقل بل الْعقل تردد بَين إضافات الْأَحْوَال بَعْضهَا إِلَى بعض وَنسب الْأَشْخَاص والحركات نوعا إِلَى نوع وشخصا إِلَى شخص فيطرأ عَلَيْهِ من تِلْكَ الْمعَانِي مَا حكيناه وأحصيناه وَرُبمَا يبلغ مبلغا يشذ عَن الإحصاء فَعرف بذلك أَن الْمعَانِي لم ترجع إِلَى الذَّات بل مُجَرّد الخواطر الطارئة على الأَصْل وَهِي متعارضة

قَالُوا وَأَيْضًا لوثبت الْحسن والقبح العقليان لتَعلق بهما الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم شَاهدا وغائبا على العَبْد والرب وَاللَّازِم محَال فالملزوم كَذَلِك

أما الْمُلَازمَة فقد كفانا أهل الْإِثْبَات تقريرها بالتزامهم أَنه يجب على العَبْد عقلا بعض الْأَفْعَال الْحَسَنَة وَيحرم عَلَيْهِ الْقَبِيح وَيسْتَحق الثَّوَاب وَالْعِقَاب على ذَلِك وَأَنه يجب على الرب تَعَالَى فعل الْحسن ورعاية الصّلاح والأصلح وَيحرم عَلَيْهِ فعل الْقَبِيح وَالشَّر ومالا فَائِدَة فِيهِ كالعبث وَوَضَعُوا بعقولهم شَرِيعَة أوجبوا بهَا على الرب تَعَالَى وحرموا عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدهم ثَمَرَة المسئلة وفائدتها وَأما انْتِفَاء اللَّازِم فَإِن الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم بِدُونِ الشَّرْع مُمْتَنع إِذْ لَو ثَبت بِدُونِهِ لقامت الْحجَّة بِدُونِ الرُّسُل وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أثبت الْحجَّة بالرسل خَاصَّة كَمَا قَالَ تَعَالَى لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل وَأَيْضًا فَلَو ثَبت بِدُونِ الشَّرْع لَا يسْتَحق الثَّوَاب وَالْعِقَاب عَلَيْهِ وَقد نفى الله سُبْحَانَهُ الْعقَاب قبل الْبعْثَة فَقَالَ وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا وَقَالَ تَعَالَى وهم يصطرخون فِيهَا رَبنَا أخرجنَا نعمل صَالحا غير الَّذِي كُنَّا نعمل أولم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر وَجَاءَكُم النذير فَإِنَّمَا احْتج عَلَيْهِم بالنذير وَقَالَ تَعَالَى وَنَادَوْا يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك قَالَ إِنَّكُم مَاكِثُونَ لقد جئناكم بِالْحَقِّ وَلَكِن أَكْثَرَكُم للحق كَارِهُون وَالْحق هَاهُنَا هُوَ مَا بعث بِهِ المُرْسَلُونَ بِاتِّفَاق الْمُفَسّرين وَقَالَ تَعَالَى كلما ألْقى فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خزنتها ألم يأتكم نَذِير قَالُوا بلَى قد جَاءَنَا نَذِير فكذبنا وَقُلْنَا مَا نزل الله من شَيْء إِن أَنْتُم إِلَّا فِي ضلال كَبِير وَقَالَ تَعَالَى وَيَوْم يناديهم فَيَقُول مَاذَا أجبتم الْمُرْسلين فَلَا يسألهم تبَارك وَتَعَالَى عَن مُوجبَات عُقُولهمْ بل عَمَّا أجابوا بِهِ رسله فَعَلَيهِ يَقع الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَقَالَ تَعَالَى ألم أَعهد إِلَيْكُم يَا بني آدم أَلا تعبدوا الشَّيْطَان إِنَّه لكم عَدو مُبين وَأَن اعبدوني هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم فاحتج عَلَيْهِم تبَارك وَتَعَالَى بِمَا عَهده إِلَيْهِم على أَلْسِنَة رسله خَاصَّة فَإِن عَهده هُوَ أمره وَنَهْيه الَّذِي بلغته رسله وَقَالَ تَعَالَى وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا وشهدوا على أنفسهم أَنهم كَانُوا كَافِرين فَهَذَا فِي حكم الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم على الْعباد قبل الْبعْثَة وَأما انْتِفَاء الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم على من لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَلَا يسْأَل عَمَّا يفعل فَمن وُجُوه مُتعَدِّدَة

أَحدهَا أَن الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم فِي حَقه سُبْحَانَهُ غير

<<  <  ج: ص:  >  >>