للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْقُول على الْإِطْلَاق وَكَيف يعلم أَنه سُبْحَانَهُ يجب عَلَيْهِ أَن يمدح ويذم ويثيب ويعاقب على الْفِعْل بِمُجَرَّد الْعقل وَهل ذَلِك إِلَّا مغيب عَنَّا فيمَ نَعْرِف أَنه رضى عَن فَاعل وَسخط على فَاعل وَأَنه يثيب هَذَا ويعاقب هَذَا وَلم يخبر عَنهُ بذلك مخبر صَادِق وَلَا دلّ على مواقع رِضَاهُ وَسخطه عقل وَلَا أخبر عَن محكومه ومعلومه مخبر فَلم يبْق إِلَّا قِيَاس أَفعاله على أَفعَال عباده وَهُوَ من أفسد الْقيَاس وأعظمه بطلانا فَأَنَّهُ تَعَالَى كَمَا أَنه لَيْسَ كمثله شَيْء فِي ذَاته وَلَا فِي صِفَاته فَكَذَلِك لَيْسَ كمثله شَيْء فِي أَفعاله وَكَيف يُقَاس على خلقه فِي أَفعاله فَيحسن مِنْهُ مَا يحسن مِنْهُم ويقبح مِنْهُ مَا يقبح مِنْهُم وَنحن نرى كثيرا من الْأَفْعَال تقبح منا وَهِي حَسَنَة مِنْهُ تَعَالَى كإيلام الْأَطْفَال وَالْحَيَوَان وإهلاك من لَو أهلكناه نَحن لقبح منا من الْأَمْوَال والأنفس وَهُوَ مِنْهُ تَعَالَى مستحسن غير مستقبح وَقد سُئِلَ بعض الْعلمَاء عَن ذَلِك فَأَنْشد السَّائِل

ويقبح من سواك الْفِعْل عِنْدِي ... فتفعله فَيحسن مِنْك ذاكا

وَنحن نرى ترك إنقاذ الفرقي والهلكي قبيحا منا وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذا أغرقهم وأهلكهم لم يكن قبيحا مِنْهُ ونرى ترك أَحَدنَا عبيده وإماءه يقتل بَعضهم بَعْضًا ويسيء بَعضهم بَعْضًا وَيفْسد بَعضهم بَعْضًا وَهُوَ مُتَمَكن من مَنعهم قبيحا وَهُوَ سُبْحَانَهُ قد ترك عباده كَذَلِك وَهُوَ قَادر على مَنعهم وَهُوَ مِنْهُ حسن غير قَبِيح وَإِذا كَانَ هَذَا شَأْنه سُبْحَانَهُ وشأننا فَكيف يصبح قِيَاس أَفعاله على أفعالنا فَلَا يدْرك إِذا للْوُجُوب وَالتَّحْرِيم عَلَيْهِ وَجه كَيفَ والإيجاب وَالتَّحْرِيم يَقْتَضِي مُوجبا ومحرما آمرا ناهيا وَبَينه فرق وَبَين الَّذِي يجب عَلَيْهِ وَيحرم وَهَذَا محَال فِي حق الْوَاحِد القهار فالإيجاب وَالتَّحْرِيم طلب للْفِعْل وَالتّرْك على سَبِيل الاستعلاء فَكيف يتَصَوَّر غَائِبا

قَالُوا وَأَيْضًا فَلهَذَا الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم اللَّذين زعمتم على الله لَوَازِم فَاسِدَة يدل فَسَادهَا على فَسَاد الْمَلْزُوم اللَّازِم الأول إِذا أوجبتم على الله تَعَالَى رِعَايَة الصّلاح والأصلح فِي أَفعاله فَيجب أَن توجبوا على العَبْد رِعَايَة الصّلاح والأصلح أَيْضا فِي أَفعاله حَتَّى يَصح اعْتِبَار الْغَائِب بِالشَّاهِدِ وَإِذا لم يجب علينا رعايتهما بالِاتِّفَاقِ بِحَسب الْمَقْدُور بَطل ذَلِك فِي الْغَائِب وَلَا يَصح تفريقكم بَين الْغَائِب وَالشَّاهِد بالتعب وَالنّصب الَّذِي يلْحق الشَّاهِد دون الْغَائِب لآن ذَلِك لَو كَانَ فارقا فِي مَحل الْإِلْزَام لَكَانَ فارقا فِي أصل الصّلاح فَأن ثَبت الْفرق فِي صفته ومقداره ثَبت فِي أَصله وَأَن بَطل الْفرق ثَبت الْإِلْزَام الْمَذْكُور اللَّازِم الثَّانِي إِن القربات من النَّوَافِل صَلَاح فَلَو كَانَ الصّلاح وَاجِبا وَجب وجوب الْفَرَائِض اللَّازِم الثَّالِث أَن خُلُود أهل النَّار فِي النَّار يجب أَن يكون صلاحا لَهُم دون أَن يردوا فيعتبوا رَبهم ويتوبوا إِلَيْهِ وَلَا ينفعكم اعتذاركم عَن هَذَا الْإِلْزَام بِأَنَّهُم لوردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ فَإِن هَذَا حق وَلَكِن لَو أماتهم وأعدمهم فَقطع عتابهم كَانَ أصلح لَهُم وَلَو غفر لَهُم ورحمهم وأخرجهم من النَّار كَانَ أصلح لَهُم من إماتتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>