للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَضَعُوا على الله شَرِيعَة بعقولهم قادتهم إِلَى مَالا قبل لَهُم بِهِ من اللوازم الْبَاطِلَة وأخطأوا فِي نفيهم عَنهُ إِيجَاب مَا أوجبه على نَفسه وَتَحْرِيم مَا حرمه على نَفسه بِمُقْتَضى حكمته وعدله وعزته وَعلمه وأخطاوا أَيْضا فِي نفسهم حكمته تَعَالَى فِي خلقه وَأمره وَأَنه لَا يفعل شَيْئا لشَيْء وَلَا يَأْمر بِشَيْء لشَيْء وَفِي إنكارهم الْأَسْبَاب والقوى الَّتِي أودعها الله فِي الْأَعْيَان والأعمال وجعلهم كل لَام دخلت فِي الْقُرْآن لتعليل أَفعاله وأوامره لَام عَاقِبَة وكل بَاء دخلت لربط السَّبَب بِسَبَبِهِ بَاء مصاحبة فنفوا الحكم والغايات الْمَطْلُوبَة فِي أوامره وأفعاله وردوها إِلَى الْعلم وَالْقُدْرَة فَجعلُوا مُطَابقَة الْمَعْلُوم للْعلم وَوُقُوع الْمَقْدُور على وفْق الْقُدْرَة هُوَ الْحِكْمَة وَمَعْلُوم أَن وُقُوع الْمَقْدُور بِالْقُدْرَةِ ومطابقة الْمَعْلُوم للْعلم عين الْحِكْمَة والغايات الْمَطْلُوبَة من الْفِعْل وَتعلق الْقُدْرَة بمقدورها وَالْعلم بمعلومة اعم من كَون الْمَعْلُوم والمقدور مُشْتَمِلًا على حِكْمَة ومصلحة أَو مُجَردا عَن ذَلِك والأعم لَا يشْعر بالأخص وَلَا يستلزمه وَهل هَذَا فِي الْحَقِيقَة الأنفي للحكمة وَإِثْبَات لأمر آخر وأخطاوا فِي تسويتهم بَين الْمحبَّة والمشيئة وَأَن كل مَا شاءه الله من الْأَفْعَال والأعيان فقد أحبه ورضيتة وَمَا لم يشأه نقد كرهه وأبغضه فمحبته مَشِيئَته وإرادته الْعَامَّة وكراهته وبغضه عدم مَشِيئَته وإرادته فلزمهم من ذَلِك أَن يكون إِبْلِيس محبوبا لَهُ وَفرْعَوْن وهامان وَجَمِيع الشَّيَاطِين وَالْكفَّار بل أَن يكون الْكفْر والفسوق وَالظُّلم والعدوان الْوَاقِعَة فِي الْعَالم محبوبة لَهُ مرضية وَأَن يكون الْإِيمَان وَالْهدى ووفاء الْعَهْد وَالْبر الَّتِي لم تُوجد من النَّاس مَكْرُوهَة مسخوطة لَهُ مَكْرُوهَة ممقوتة عِنْده فسووا بَين الْأَفْعَال الَّتِي فاوت الله بَينهَا وسووا بَين الْمَشِيئَة الْمُتَعَلّقَة بتكوينها وإيجادها والمحبة الْمُتَعَلّقَة بالرضى بهَا وأخيارها وَهَذَا مِمَّا استطال بِهِ عَلَيْهِم خصومهم كَمَا استطالوا هم عَلَيْهِم حَيْثُ أخرجوها عَن مَشِيئَة الله وإرادته الْعَامَّة وَنَفَوْا تعلق قدرته وخلقه بهَا فاستطال كل من الْفَرِيقَيْنِ على الآخر بِسَبَب مَا مَعَهم من الْبَاطِل وَهدى الله أهل السّنة الَّذين هم وسط فِي المقالات والنحل لما اخْتلف الْفَرِيقَانِ فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ وَالله يهدى من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم

فالقدرية حجروا على الله وألزموه شَرِيعَة حرمُوا عَلَيْهِ الْخُرُوج عَنْهَا وخصومهم من الجبرية جوزوا عَلَيْهِ كل فعل مُمكن يتنزه عَنهُ سُبْحَانَهُ إِذْ لَا يَلِيق بغناه وحمده وكماله مَا نزه نَفسه عَنهُ وَحمد نَفسه بِأَنَّهُ لَا يَفْعَله فالطائفتان متقابلتان غَايَة التقابل والقدرية أثبتوا لَهُ حِكْمَة وَغَايَة مَطْلُوبَة من افعاله على حسب مَا أثبتوه لخلقه والجبرية نفوا والقدرية أثبتوا لَهُ حكمته اللائقة بِهِ الَّتِي لَا يشابهه فِيهَا أحد والقدرية قَالَت أَنه لَا يُرِيد من عباده طاعتهم وَإِيمَانهمْ وَأَنه لَا يسْأَل ذَلِك مِنْهُم والجبرية قَالَت أَنه يحب الْكفْر والفسوق والعصيان ويرضاه من فَاعله والقدرية قَالَت أَنه يجب عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ أَن يفعل بِكُل شخص مَا هُوَ الْأَصْلَح لَهُ والجبرية قَالَت أَنه يجوز أَن يعذب أولياءه وَأهل طَاعَته وَمن لم يطعه قطّ وينعم أعداءه وَمن كفر بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>