للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْكفْر وأنواع الْفساد بل يكرهها وَأَنه يحب الْإِيمَان وَالْخَيْر وَالْبر وَالطَّاعَة وَلَكِن أخطأوا فِي تَفْسِير هَذِه الْمحبَّة وَالْكَرَاهَة بِمُجَرَّد معَان مفهومة من أَلْفَاظ خلقهَا فِي الْهَوَاء أَو فِي الشَّجَرَة وَلم يجعلوها مَعَاني مَا يهدى بِهِ تَعَالَى على فَاسد أصولهم فِي التعطيل وَنفي الصِّفَات فنفوا الْمحبَّة وَالْكَرَاهَة من حَيْثُ أثبتوها وأعادوها إِلَى مُجَرّد الشَّرْع وَلم يثبتوا لَهُ حَقِيقَة قَائِمَة بِذَاتِهِ فَإِن شرع الله هُوَ أمره وَنَهْيه وَلم يقم بِهِ عِنْدهم أَمر وَلَا نهى فحقيقة قَوْلهم أَنه لَا شرع وَلَا محبَّة وَلَا كَرَاهَة فَإِن زخرفوا القَوْل وتحيلوا لإِثْبَات مَا سدوا على نُفُوسهم طَرِيق إثْبَاته وَأَصَابُوا أَيْضا فِي قَوْلهم أَن مصلحَة الْمَأْمُور تنشأ من الْفِعْل تَارَة وَمن الْأَمر تَارَة أُخْرَى فَرب فعل لم يكن منشأ لمصْلحَة الْمُكَلف فَلَمَّا أَمر بِهِ صَار منشأ لمصْلحَة بِالْأَمر وَلَو توسطوا هَذَا التَّوَسُّط وسلكوا هَذَا المسلك وَقَالُوا إِن الْمصلحَة تنشأ من الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ تَارَة وَمن الْأَمر تَارَة ومنهما تَارَة وَمن الْعَزْم الْمُجَرّد تَارَة لانتصفوا من خصومهم فمثال الأول الصدْق والعفة وَالْإِحْسَان وَالْعدْل فَإِن مصالحها ناشئة مِنْهَا وَمِثَال الثَّانِي التجرد فِي الْإِحْرَام والتطهر بِالتُّرَابِ وَالسَّعْي بَين الصفى والمروة وَرمي الْجمار وَنَحْو ذَلِك فَإِن هَذِه الْأَفْعَال لَو تجردت عَن الْأَمر لم تكن منشأ لمصْلحَة فَلَمَّا أَمر بهَا نشأت مصلحتها من نفس الْأَمر وَمِثَال الثُّلُث الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْحج وَإِقَامَة الْحُدُود وَأكْثر الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَإِن مصلحتها ناشئة من الْفِعْل وَالْأَمر مَعًا فالفعل يتَضَمَّن مصلحَة وَالْأَمر بهَا يتَضَمَّن مصلحَة أُخْرَى فالمصلحة فِيهَا من وَجْهَيْن وَمِثَال الرَّابِع أَمر الله تَعَالَى خَلِيله إِبْرَاهِيم بِذبح وَلَده فَإِن الْمصلحَة إِنَّمَا نشأت من عزمه على الْمَأْمُور بِهِ لَا من نفس الْفِعْل وَكَذَلِكَ أمره نبيه لَيْلَة الْإِسْرَاء بِخَمْسِينَ صَلَاة فَلَمَّا حصرتم الْمصلحَة فِي الْفِعْل وَحده تسلط عَلَيْكُم خصومكم بأنواع المناقضات والإلزامات قَالُوا وَقد أصَاب النفاة حَيْثُ قَالُوا إِن الْحجَّة إِنَّمَا تقوم على الْعباد بالرسالة وَإِن الله لَا يعذبهم قبل الْبعْثَة وَلَكنهُمْ نقضوا الأَصْل وَلم يطردوه حَيْثُ جوزوا تَعْذِيب من لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة أصلا من الْأَطْفَال والمجانين وَمن لم تبلغه الدعْوَة وأخطؤا فِي تسويتهم بَين الْأَفْعَال الَّتِي خَالف الله بَينهَا فَجعل بَعْضهَا حسنا وَبَعضهَا قبيحا وَركب فِي الْعُقُول وَالْفطر التَّفْرِقَة بَينهمَا كَمَا ركب فِي الْحَواس التَّفْرِقَة بَين الحلو والحامض والمر والعذب والسخن والبارد والضار والنافع فَزعم النفاة أَنه لَا فرق فِي نفس الْأَمر أصلا بَين فعل وَفعل فِي الْحسن والقبح وَإِنَّمَا يعود الْفرق إِلَى عَادَة مُجَرّدَة أَو وهم أَو خيال أَو مُجَرّد الْأَمر والنهى وسلبوا الْأَفْعَال حَتَّى خواصها الَّتِي جعلهَا الله عَلَيْهَا من الْحسن والقبح فخالفوا الْفطر والعقول وسلطوا عَلَيْهِم خصومهم بأنواع الإلزامات والمناقضات الشنيعة جدا وَلم يَجدوا إِلَى ردهَا سَبِيلا إِلَّا بالعناء وجحدوا الضَّرُورَة وَأَصَابُوا فِي نفيهم الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم على الله الَّذِي أثبتته الْقَدَرِيَّة من الْمُعْتَزلَة

<<  <  ج: ص:  >  >>