للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُم أَي لَا خُصُومَة فَإِن الرب وَاحِد فَلَا وَجه للخصومة فِيهِ وَدينه وَاحِد وَقد قَامَت الْحجَّة وَتحقّق الْبُرْهَان فَلم يبْق للاحتجاج والمخاصمة فَائِدَة فَإِن فَائِدَة الِاحْتِجَاج ظُهُور الْحق ليتبع فَإِذا ظهر وعانده الْمُخَالف وَتَركه جحُودًا وعنادا لم يبْق للاحتجاج فَائِدَة فَلَا حجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُم أَيهَا الْكفَّار فقد وضح الْحق واستبان وَلم يبْق إِلَّا الْإِقْرَار بِهِ أَو العناد وَالله يجمع بَيْننَا يَوْم الْقِيَامَة فَيَقْضِي للمحق على الْمُبْطل وَإِلَيْهِ الْمصير قَالُوا وهما نَحن نتحرى الْقسْط بَين الْفَرِيقَيْنِ عَمَّا يَقُوله المقسطون عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة على مَنَابِر من نور عَن يَمِين الرَّحْمَن الَّذين يعدلُونَ فِي حكمهم وأهليهم مِمَّا ولوا وَيَكْفِي فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى يأيها الَّذين آمنُوا كونُوا قوامين لله شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلَا يجرمنكم شنآن قوم على أَن لَا تعدلوا اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى وَاتَّقوا الله أَن الله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا قد أصَاب أهل الْإِثْبَات من الْمُعْتَزلَة فِي قَوْلهم أَن الْحسن والقبح صِفَات ثبوتية للأفعال مَعْلُومَة بِالْعقلِ وَالشَّرْع وَأَن الشَّرْع جَاءَ بتقرير مَا هُوَ مُسْتَقر فِي الْفطر والعقول من تَحْسِين الْحسن وَالْأَمر بِهِ وتقبيح الْقَبِيح والنهى عَنهُ وَأَنه لم يَجِيء بِمَا يُخَالف الْعقل والفطرة وَأَن جَاءَ بِمَا يعجز الْعُقُول عَن أَحْوَاله والاستقلال بِهِ فالشرائع جَاءَت بمجازات الْعُقُول لَا محالاتها وَفرق بَين مَالا تدْرك الْعُقُول حسنه وَبَين مَا تشهد بقبحه فَالْأول مِمَّا يَأْتِي بِهِ الرُّسُل دون الثَّانِي وأخطؤا فِي تَرْتِيب الْعقَاب على هَذَا الْقَبِيح عقلا كَمَا تقدم وَأَصَابُوا فِي إِثْبَات الْحِكْمَة لله تَعَالَى وَأَنه سُبْحَانَهُ لَا يفعل فعلا خَالِيا عَن الْحِكْمَة بل كل أَفعاله مَقْصُودَة لعواقبها الحميدة وغاياتها المحبوبة لَهُ وأخطؤا فِي موضِعين أَحدهمَا أَنهم أعادوا تِلْكَ الْحِكْمَة إِلَى الْمَخْلُوق وَلم يعيدوها إِلَى الْخَالِق سُبْحَانَهُ على فَاسد أصولهم فِي نفي قيام الصِّفَات بِهِ فنفوا الْحِكْمَة من حَيْثُ أثبتوها وجحدوها من حَيْثُ أقرُّوا بهَا الْموضع الثَّانِي انهم وضعُوا لتِلْك الْحِكْمَة شَرِيعَة بعقولهم وأوجبوا على الرب تَعَالَى بهَا وحرموه وشبهوه بخلقه فِي أَفعاله بِحَيْثُ مَا حسن مِنْهُم حسن مِنْهُ وَمَا قبح مِنْهُم قبح مِنْهُ فلزمتهم بذلك اللوازم الشنيعة وضاق عَلَيْهِم المجال وعجزوا عَن التَّخَلُّص عَن تِلْكَ الالتزامات وَلَو أَنهم أثبتوا لَهُ حِكْمَة تلِيق بِهِ لَا يشبه خلقه فِيهَا بل نسبتها إِلَيْهِ كنسة صِفَاته إِلَى ذَاته فَكَمَا أَنه لَا يشبه خلقه فِي صِفَاته فَكَذَلِك فِي أَفعاله وَلَا يَصح الِاسْتِدْلَال بقبح الْقبْح وَحسن الْحسن مِنْهُم على ثُبُوت ذَلِك فِي حَقه تَعَالَى وَمن هَاهُنَا استطال عَلَيْهِم النفاة وصاحوا عَلَيْهِم من كل قطر وَأَقَامُوا عَلَيْهِم ثائرة الشناعة وَأَصَابُوا أَيْضا فِي قَوْلهم بِأَن الرب تَعَالَى لَا يمْتَنع فِي نَفسه الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم وأخطأوا فِي جعل ذَلِك تَابعا لمقْتَضى عُقُولهمْ وآرئهم بل يجب عَلَيْهِ مَا أوجبه على نَفسه وَيحرم عَلَيْهِ مَا

حرمه هُوَ على نَفسه فَهُوَ الَّذِي كتب على نَفسه الرَّحْمَة وأحق على نَفسه ثَوَاب المطيعين وَحرم على نَفسه الظُّلم كَمَا جعله محرما بَين عباده وَأَصَابُوا فِي قَوْلهم أَنه سُبْحَانَهُ لَا يحب الشَّرّ

<<  <  ج: ص:  >  >>