للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقِيمُوا الدّين وَلَا تتفرقوا فِيهِ كبر على الْمُشْركين مَا تدعوهم إِلَيْهِ الله تجتبيء إِلَيْهِ من يَشَاء ويهدى إِلَيْهِ من ينيب وَمَا تفَرقُوا إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغيا بَينهم وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك إِلَى أجل مُسَمّى لقضى بَينهم وَأَن الَّذين أورثوا الْكتاب من بعدهمْ لفي شكّ مِنْهُ مريب فَلذَلِك فَادع واستقم كَمَا أمرت وَلَا تتبع أهواءهم وَقل آمَنت بِمَا أنزل الله من كتاب وَأمرت لأعدل بَيْنكُم

فَأخْبر تَعَالَى أَنه شرع لنا دينه الَّذِي وصّى بِهِ نوحًا والنبيين من بعده وَهُوَ دين وَاحِد ونهانا عَن التَّفْرِيق فِيهِ ثمَّ أخبرنَا أَنه مَا تفرق من قبلنَا فِي الدّين إِلَّا بعد الْعلم الْمُوجب للإثبات وَعدم التَّفَرُّق وَأَن الْحَامِل على ذَلِك التَّفَرُّق الْبَغي من بَعضهم على بعض وَإِرَادَة كل طَائِفَة أَن يكون الْعُلُوّ والظهور لَهَا ولقولها دون غَيرهَا وَإِذا تَأَمَّلت تفرق أهل الْبدع والضلال رَأَيْته صادرا عَن هَذَا بِعَيْنِه ثمَّ أَمر سُبْحَانَهُ نبيه أَن يَدْعُو إِلَى دينه الَّذِي شَرعه لأنبيائه وَأَن يَسْتَقِيم كَمَا أمره ربه وحذره من اتِّبَاع أهواء المتفرقين وَأمره أَن يُؤمن بِكُل مَا أنزلهُ الله من الْكتب وَهَذِه حَال المحق أَن يُؤمن بِكُل مَا جمعه من الْحق على لِسَان أَي طَائِفَة كَانَت ثمَّ أمره أَن يُخْبِرهُمْ بِأَنَّهُ أَمر بِالْعَدْلِ بَينهم وَهَذَا يعم الْعدْل فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال والآراء والمحاكمات كلهَا فنصبه ربه ومرسله للعدل بَين الْأُمَم فَهَكَذَا وَارثه ينْتَصب للعدل بَين المقالات والآراء والمذاهب ونسبته مِنْهَا إِلَى الْقدر الْمُشْتَرك بَينهمَا من الْحق فَهُوَ أولى بِهِ وبتقريره وبالحكم لمن خَاصم بِهِ ثمَّ أمره أَن يُخْبِرهُمْ بِأَن الرب المعبود وَاحِد فَمَا الْحَامِل للتفرق وَالِاخْتِلَاف وَهُوَ رَبنَا وربكم وَالدّين وَاحِد وَلكُل عَامل عمله لَا يعدوه إِلَى غَيره

ثمَّ قَالَ لَا حجَّة بَيْننَا وَبَيْنكُم وَالْحجّة هَهُنَا هِيَ الْخُصُومَة أَي للخصومة وَلَا وَجه لخصومة بَيْننَا وَبَيْنكُم بَعْدَمَا ظهر الْحق وأسفر صبحه وَبَانَتْ أَعْلَامه وانكشفت الْغُمَّة عَنهُ وَلَيْسَ المُرَاد نفي الِاحْتِجَاج من الطَّرفَيْنِ كَمَا يَظُنّهُ بعض من لَا يدرى مَا يَقُول وَأَن الدّين لَا احتجاج فِيهِ كَيفَ وَالْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره حجج وبراهين على أهل الْبَاطِل قَطْعِيَّة يقينية وأجوبة لمعارضتهم وإفسادا لأقوالهم بأنواع الْحجَج والبراهين وإخبارا عَن أنبيائه وَرُسُله بِإِقَامَة الْحجَج والبراهين وَأمر لرَسُوله بمجادلة الْمُخَالفين بِالَّتِي هِيَ أحسن وَهل تكون المجادلة إِلَّا بالاحتجاج وإفساد حجج الْخصم وَكَذَلِكَ أَمر الْمُسلمين بمجادلة أهل الْكتاب بِالَّتِي هِيَ أحسن وَقد نَاظر النَّبِي جَمِيع طوائف الْكفْر أتم مناظرة وَأقَام عَلَيْهِم مَا أفحمهم بِهِ من الْحجَج حَتَّى عدل بَعضهم إِلَى محاربته بعد أَن عجز عَن رد قَوْله وَكسر حجَّته وَاخْتَارَ بَعضهم مسالمته ومتاركته وَبَعْضهمْ بذل الْجِزْيَة عَن يَد وَهُوَ صاغر كل ذَلِك بعد إِقَامَة الْحجَج عَلَيْهِم وَأَخذهَا بكظمهم وأسرها لنفوسهم وَمَا اسْتَجَابَ لَهُ من اسْتَجَابَ إِلَّا بعد أَن وضحت لَهُ الْحجَّة وَلم يجد إِلَى ردهَا سَبِيلا وَمَا خَالفه أعداؤه إِلَّا عنادا مِنْهُم وميلا إِلَى المكابرة بعد اعترافهم بِصِحَّة حججه وَأَنَّهَا لَا تدفع فَمَا قَامَ الدّين إِلَّا على سَاق الْحجَّة فَقَوله لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>