للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمريْن إِمَّا فعل يَقْتَضِي جَزَاء أَو مجازاة على فعل فَمَا باله يحْتَاج فِي أَفعاله وأحواله إِلَى شخص مثله يحسن أَو يقبح فَلَا الْعقل يحسن ويقبح وَلَا الشَّرْع وَلَكِن حسن أَفعاله جَزَاء على حسن أَفعَال غَيره وقبح أَفعاله كَذَلِك وَرُبمَا يظْهر حسنها وقبحها صورا حيوانية روحانية وَإِنَّمَا يصير الْحسن والقبح فِي الْحَيَوَانَات أفعالا إنسانية وَلَيْسَ بعد هَذَا الْعَالم عَالم آخر يحكم فِيهِ وَيُحَاسب ويثاب ويعاقب وزادت البراهمة على التناسخية بِأَن قَالُوا نَحن لَا نحتاج إِلَى شَرِيعَة وشارع أصلا فَأن مَا يَأْمر بِهِ النَّبِي لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون معقولا أَو غير مَعْقُول فَإِن كَانَ معقولا فقد اسْتغنى بِالْعقلِ عَن النَّبِي وَأَن لم يكن معقولا لم يكن مَقْبُولًا فَهَذِهِ الطوائف كلهَا لما جعلت فِي الْعقل حَاكما بالْحسنِ والقبح أَدَّاهَا إِلَى هَذِه الآراء الْبَاطِلَة والنحل الْكَافِرَة وَأَنْتُم يَا معاشر المثبتة يصعب عَلَيْكُم الرَّد عَلَيْهِم وَقد وافقتموهم على هَذَا الأَصْل وَأما نَحن فأخذنا عَلَيْهِم رَأس الطَّرِيق وسددنا عَلَيْهِم الْأَبْوَاب فَمن طرق لَهُم الطَّرِيق وَفتح لَهُم الْأَبْوَاب ثمَّ رام مناجزة الْقَوْم فقد رام مرتقى صعبا فَهَذِهِ مجامع جيوش النفاة قد وافتك بعددها وعديدها وَأَقْبَلت إِلَيْك بحدها وحديدها فَإِن كنت من أَبنَاء الطعْن وَالضَّرْب فقد التقى الزحفان وتقابل الصفان وَإِن كنت من أَصْحَاب التلول فَالْزَمْ مقامك وَلَا تدن من الْوَطِيس فَإِنَّهُ قد حمى وَإِن كنت من اهل الأسراب الَّذين يسْأَلُون عَن الأنباء وَلَا يثبتون عِنْد اللِّقَاء

فدع الحروب لأقوام لَهَا خلقُوا ... وَمَالهَا من سوى أجسامهم جنن

وَلَا تلمهم على مَا فِيك من جبن ... فبئست الحلتان اللؤم والجبن

قَالَ المتوسطون من أهل الْإِثْبَات مَا مِنْكُم أَيهَا الْفَرِيقَانِ إِلَّا من مَعَه حق وباطل وَنحن نساعد كل فريق على حَقه ونصير إِلَيْهِ ونبطل مَا مَعَه من الْبَاطِل وترده عَلَيْهِ فَنَجْعَل حق الطَّائِفَتَيْنِ مذهبا ثَالِثا يخرج من بَين فرث وَدم لَبَنًا خَالِصا سائغا للشاربين من غير أَن ننتسب لي ذِي مقَالَة وَطَائِفَة مُعينَة انتسابا يحملنا على قبُول جَمِيع أحوالها والانتصار لَهَا بِكُل غث وسمين ورد جَمِيع أَقْوَال خصومها ومكابريها على مَا مَعهَا من الْحق حَتَّى لَو كَانَت تِلْكَ الْأَقْوَال منسوبة إِلَى رئيسها وطائفتها لبالغت فِي نصرتها وتقريرها وَهَذِه آفَة مَا نجا مِنْهَا إِلَّا من أنعم الله عَلَيْهِ وَأَهله لمتابعة الْحق أَيْن كَانَ وَمَعَ من كَانَ وَأما من يرى أَن الْحق وقف مؤبد على طائفته وَأهل مذْهبه وَحجر مَحْجُور على من سواهُم مِمَّن لَعَلَّه أقرب إِلَى الْحق وَالصَّوَاب مِنْهُ فقد حرم خيرا كثيرا وَفَاته هدى عَظِيم وَهنا نَحن نجلس مجْلِس الْحُكُومَة بَين هَاتين المقالتين فَمن أدلى بحجته فِي مَوضِع كَانَ الْمَحْكُوم لَهُ فِي ذَلِك الْموضع وَأَن كَانَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ حَيْثُ يدلى خَصمه بحجته وَالله تَعَالَى أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق وَالْعدْل بَين الطوائف الْمُخْتَلفَة قَالَ تَعَالَى {شرع لكم من الدّين مَا وصّى بِهِ نوحًا وَالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصينا بِهِ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى أَن}

<<  <  ج: ص:  >  >>