للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرفوض فِي الْعقل لذاته والممتزج مَطْلُوب من وَجه ومرفوض من وَجه وَهُوَ بِحَسب الْغَالِب من جِهَته وَلَا يشك الْعَاقِل أَن الْعلم بِجِنْسِهِ ونوعه خير ومحمود ومطلوب وَالْجهل بِجِنْسِهِ ونوعه شَرّ فِي الْعقل فَهُوَ مستقبح عِنْد الْجُمْهُور وَالْفطر السليمة دَاعِيَة إِلَى تَحْصِيل المستحسن ورفض المستقبح سَوَاء حمله عَلَيْهِ شَارِع أَو لم يحملهُ ثمَّ الْأَخْلَاق الحميدة والخصال الرشيدة من الْعِفَّة والجود والسخاء والنجدة مستحسنات فعلية وأضدادها مستقبحات فعلية وَكَمَال حَال الْإِنْسَان أَن تستكمل النَّفس قوى الْعلم الْحق وَالْعَمَل الْخَيْر والشرائع إِنَّمَا ترد بتمهيد مَا تقرر فِي الْعقل لَا بتغييره لَكِن الْعُقُول الحرونة لما كَانَت قَاصِرَة عَن اكْتِسَاب المعقولات بأسرها عاجزة عَن الاهتداء إِلَى الْمصلحَة الْكُلية الشاملة لنَوْع الْإِنْسَان وَجب من حَيْثُ الْحِكْمَة أَن يكون بَين النَّاس شرع يفرضه شَارِع يحملهم على الْإِيمَان بِالْغَيْبِ جملَة ويهديهم إِلَى مصَالح معاشهم ومعادهم تَفْصِيلًا فَيكون قد جمع لَهُم بَين حظي الْعلم وَالْعدْل على مُقْتَضى الْعقل وَحَملهمْ على التَّوَجُّه إِلَى الْخَيْر الْمَحْض والإعراض عَن الشَّرّ الْمَحْض اسْتِبْقَاء لنوعهم واستدامة لنظام الْعَالم ثمَّ ذَاك الشَّارِع يجب أَن يكون مُمَيّزا من بَينهم بآيَات تدل على أَنَّهَا من عِنْد ربه سُبْحَانَهُ راجحا عَلَيْهِم بعقله الرزين ورأية المتين وَحَدِيثه النَّافِذ وخلقه الْحسن وسمته وهديه يلين لَهُم فِي القَوْل ويشاورهم فِي الْأَمر ويكلمهم على قدر عُقُولهمْ ويكلفهم بِحَسب وسعهم وطاقتهم قَالُوا وَقد أَخْطَأت الْمُعْتَزلَة حِين ردوا الْحسن والقبيح إِلَى الصِّفَات الذاتية للأفعال وَكَانَ من حَقهم تَقْرِير ذَلِك فِي الْعلم وَالْجهل إِذْ الْأَفْعَال تخْتَلف بالأشخاص والأزمان وَسَائِر الإضافات وَلَيْسَ هِيَ على صِفَات نفسية لَازِمَة لَهَا بِحَيْثُ لَا تفارقها الْبَتَّةَ ثمَّ زَادَت الصائبة فِي ذَلِك على الفلاسفة وَقَالُوا لما كَانَت الموجودات فِي الْعَالم السفلي مركبة على تَأْثِير الْكَوَاكِب والروحانيات الَّتِي هِيَ مدبرات الْكَوَاكِب وَكَانَ فِي اتصالاتها نظر سعيد ونحس وَاجِب أَن يكون فِي آثارها حسن وقبح فِي الْأَخْلَاق والخلق وَالْأَفْعَال والعقول الإنسانية مُتَسَاوِيَة فِي النَّوْع فَوَجَبَ أَن يُدْرِكهَا كل عقل سليم وطبع قويم لَا تتَوَقَّف معرفَة المعقولات على من هُوَ مثل ذَلِك الْعَاقِل فِي النَّوْع فَنحْن لَا نحتاج إِلَى من يعرفنا حسن الْأَشْيَاء وقبحها وَخَيرهَا وشرها ونفعها وضرها وكما أَنا نستخرج بالعقول من طبائع الْأَشْيَاء ومنافعها ومضارها كَذَلِك نستنبط من أَفعَال نوع الْإِنْسَان حسنها وقبيحها فنلابس مَا هُوَ أحسن مِنْهَا بِحَسب الِاسْتِطَاعَة ونجتنب مَا هُوَ قَبِيح مِنْهَا بِحَسب الطَّاقَة فَأَي حَاجَة بِنَا إِلَى شَارِع يتحكم على عقولنا وزادت التناسخية على الصائبية بِأَن قَالُوا نوع الْإِنْسَان لما كَانَ مَوْصُوفا بِنَوْع اخْتِيَار فِي أَفعاله مَخْصُوصًا بنطق وعقل فِي علومه وأحواله ارْتَفع عَن الدرجَة الحيوانية ارْتِفَاع استخسار لَهَا فَإِن كَانَت أَعماله على مناهج الدرجَة الإنسانية ارْتَفَعت إِلَى الْمَلَائِكَة وَإِن كَانَت مناهج الدرجَة الحيوانية انخفضت إِلَيْهَا أَو إِلَى أَسْفَل وَهُوَ أبدا فِي أحد

<<  <  ج: ص:  >  >>