للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمحال قد يلْزمه محَال آخر سلمنَا أَنه يَنْفِي كَون الحكم بقبحه ضَرُورِيًّا ابْتِدَاء فَلم قُلْتُمْ أَنه لَا يكون ضَرُورِيًّا بعد التَّأَمُّل وَالنَّظَر

والضروري أَعم من كَونه ضَرُورِيًّا ابْتِدَاء بِلَا وَاسِطَة أَو ضَرُورِيًّا بوسط وَنفي الْأَخَص لَا يسْتَلْزم نفي الْأَعَمّ وَمن ادّعى سلب الوسائط عَن الضروريات فقد كَابر أَو اصْطلحَ مَعَ نَفسه على تَسْمِيَة الضروريات بِمَا لَا يتَوَقَّف على وسط

الْوَجْه الرَّابِع أَن نصور مَاهِيَّة الْكَذِب يَقْتَضِي جزم الْعقل بقبحه وَنسبَة الْكَذِب إِلَى الْعقل كنسبة المتنافرات الحسية إِلَى الْحس فَكَمَا أَن أَدْرَاك الْحَواس المتنافرات يَقْتَضِي نفرتها عَنْهَا فَكَذَلِك أَدْرَاك الْعقل لحقيقة الْكَذِب وَلَا فرق بَينهمَا إِلَّا فرق مَا بَين أَدْرَاك الْحس وأدراك الْعقل فَإِن جَازَ الْقدح فِي مدركات الْعُقُول وَحكمهَا فِيهَا بالْحسنِ والقبح جَازَ الْقدح فِي مدركات الْحَواس الْوَجْه الْخَامِس إِنَّكُم فتحتم بَاب السفسطة فَإِن الْقدح فِي مَعْلُومَات الْعُقُول وموجباتها كالقدح فِي مدركات الْحَواس وموجباتها فَمن لَجأ إِلَى المكابرة فِي المعقولات فقد فتح بَاب المكابرة فِي المحسوسات وَلِهَذَا كَانَت السفسطة تعرض أَحْيَانًا فِي هَذَا وَهَذَا وَلَيْسَت مذهبا لأمة من النَّاس يعيشون عَلَيْهِ كَمَا يَظُنّهُ بعض أهل المقالات وَلَا يُمكن أَن تعيش أمة وَلَا أحد على ذَلِك وَلَا تتمّ لَهُ مصلحَة وَإِنَّمَا هِيَ حَال عارضة لكثير من النَّاس وَهِي تكْثر وتقل وَمَا من صَاحب مَذْهَب بَاطِل إِلَّا وَهُوَ مرتكب للسفسطة شَاءَ أم أبي وَسَنذكر أَن شَاءَ الله فصلا فِيمَا بعد نبين فِيهِ أَن جَمِيع أَرْبَاب الْمذَاهب الْبَاطِلَة سوفسطائية صَرِيحًا ولزوما قَرِيبا وبعيدا

الْوَجْه السَّادِس قَوْلكُم من حكم بِأَن هذَيْن الْأَمريْنِ سيان بِالنِّسْبَةِ إِلَى عقله خرج عَن قضايا الْعُقُول جَوَابه أَنكُمْ أَن أردتم بالتسوية كَونهمَا معقولان فِي الْجُمْلَة فَمن أَيْن يخرج عَن قضايا الْعُقُول من حكم بذلك وَهل الْخَارِج فِي الْحَقِيقَة عَنْهَا إِلَّا من منع هَذَا الحكم فَإِن أردتم بالتسوية الاسْتوَاء فِي الْإِدْرَاك وَأَن كليهمَا على رُتْبَة وَاحِدَة من الضَّرُورَة فَلَا يلْزم من عدم هَذَا الاسْتوَاء أَن لَا يكون الْعلم بقبح الْكَذِب عقليا

الْوَجْه السَّابِع قَوْلكُم لَو تقرر عِنْد الْمُثبت أَن الله تَعَالَى لَا يتَضَرَّر بكذب وَلَا ينْتَفع بِصدق كَانَ الآمران فِي حكم التَّكْلِيف على وتيرة وَاحِدَة كَلَام لَا يرتضيه عَاقل فَإِنَّهُ من المتقرر أَن الله تَعَالَى لَا يتَضَرَّر بكذب وَلَا ينْتَفع بِصدق وَإِنَّمَا يعود نفع الصدْق وضرر الْكَذِب على الْمُكَلف وَلَكِن لَيْت شعري من أَيْن يلْزم أَن يكون هَذَانِ الضدان بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّكْلِيف على وتيرة وَاحِدَة وَهل هَذَا الا مُجَرّد تحكم وَدَعوى بَاطِلَة الْوَجْه الثَّامِن أَنه لَا يلْزم من كَون الْحَكِيم لَا يتَضَرَّر بالقبح وَلَا ينْتَفع بالْحسنِ أَن لَا يحب هَذَا وَلَا يبغض هَذَا بل تكون نسبتهما إِلَيْهِ نِسْبَة وَاحِدَة بل الْأَمر بِالْعَكْسِ وَهُوَ أَن حكمته تَقْتَضِي بغضه للقبيح وَأَن لم يتَضَرَّر بِهِ ومحبته لِلْحسنِ وَأَن لم ينْتَفع بِهِ وَحِينَئِذٍ يَنْقَلِب هَذَا الْكَلَام عَلَيْكُم ونكون أسعد بِهِ مِنْكُم فَنَقُول لَو تقرر عِنْد النَّافِي أَن الله تَعَالَى حَكِيم عليم يضع الْأَشْيَاء موَاضعهَا وينزلها منازلها الْعلم أَن الْأَمريْنِ أَعنِي الصدْق وَالْكذب بِالنِّسْبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>