للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى شَرعه وتكليفه متباينان غَايَة التباين متضادان وانه يَسْتَحِيل فِي حكمته التَّسْوِيَة بَينهمَا وَأَن يَكُونَا على وتيرة وَاحِدَة وَمَعْلُوم إِن هَذَا هُوَ الْمَعْقُول وَمَا ذكرتموه خَارج عَن الْمَعْقُول

الْوَجْه التَّاسِع قَوْلكُم أَن الصدْق وَالْكذب على حَقِيقَة ذاتية وَأَن الْحسن والقبح غير داخلين فِي صفاتهما الذاتية وَلَا يلْزمهُمَا فِي الْوَهم بالبديهة وَلَا فِي الْوُجُود ضَرُورَة جَوَابه أَنكُمْ أَن أردتم أَن الْحسن والقبح لَا يدْخل فِي مُسَمّى الصدْق وَالْكذب فَمُسلم وَلَكِن لَا يفيدكم شَيْئا فَإِن غَايَته إِنَّمَا يدل على تغاير المفهومين فَكَانَ مَاذَا وَإِن أردتم أَن ذَات الصدْق وَالْكذب لَا تَقْتَضِي الْحسن والقبح وَلَا تستلزمهما فَهَل هَذَا إِلَّا مُجَرّد الْمَذْهَب وَنَفس الدَّعْوَى وَهِي مصادرة على الْمَطْلُوب وخصومكم يَقُولُونَ أَن معنى كَونهمَا ذاتيين للصدق وَالْكذب أَن ذَات الصدْق وَالْكذب تَقْتَضِي الْحسن والقبح وَلَيْسَ مُرَادهم أَن الْحسن والقبح صفة دَاخِلَة فِي مُسَمّى الصدْق وَالْكذب وَأَنْتُم لم تُبْطِلُوا عَلَيْهِم هَذَا

الْوَجْه الْعَاشِر قَوْلكُم وَلَا يلْزمهُمَا فِي الْوَهم بالبديهة وَلَا فِي الْوُجُود دَعْوَى مُجَرّدَة كَيفَ وَقد علم بُطْلَانهَا بالبرهان والضرورة الْوَجْه الْحَادِي عشر قَوْلكُم أَن من الْأَخْبَار الَّتِي هِيَ صَادِقَة مَا يلام عَلَيْهِ مثل الدّلَالَة على من هرب من ظَالِم وَمن الْأَخْبَار الَّتِي هِيَ كَاذِبَة مَا يُثَاب عَلَيْهَا مثل إِنْكَار الدّلَالَة عَلَيْهِ فَلم يدْخل كَون الْكَذِب قبيحا فِي حد الْكَذِب وَلَا لزمَه فِي الْوَهم وَلَا فِي الْوُجُود فَلَا يجوز أَن يعد من الصِّفَات الذاتية الَّتِي تلْزم النَّفس وجودا وعدما

جَوَابه من وُجُوه أَحدهَا أَنا لَا نسلم أَن الصدْق يقبح فِي حَال وَلَا أَن الْكَذِب يحسن فِي حَال أبدا وَلَا تنْقَلب ذَاته وَإِنَّمَا يحسن اللوم على الْخَبَر الصَّادِق من حَيْثُ لم يعرض الْمخبر وَلم يور بِمَا يَقْتَضِي سَلامَة النَّبِي أَو الْوَلِيّ الْوَجْه الثَّانِي أَنه أخبر بِمَا لَا يجوز لَهُ الْأَخْبَار بِهِ لاستلزامه مفْسدَة راجحة وَلَا يَقْتَضِي هَذَا كَون الصدْق قبيحا بل الْأَخْبَار بِالصّدقِ هُوَ الْقَبِيح وَفرق بَين النِّسْبَة الْمُطَابقَة الَّتِي هِيَ صدق وَبَين الْأَعْلَام بهَا فالقبح إِنَّمَا نَشأ من الْأَعْلَام لَا من النِّسْبَة الصادقة والأعلام غير ذاتي للْخَبَر وَلَا دَاخل فِي حَده إِذا الْخَبَر غير الْأَخْبَار وَلَا يلْزم من كَون الْأَخْبَار قبيحا أَن يكون الْخَبَر قبيحا وَهَذِه الدقيقة غفل عَنْهَا الطائفتان كِلَاهُمَا

الْوَجْه الثَّالِث أَن قبح الصدْق وَحسن الْكَذِب الْمَذْكُورين فِي بعض الْمَوَاضِع لمعارضة مصلحَة أَو مفْسدَة راجحة لَا يَقْتَضِي عدم اتصاف ذَات كل مِنْهُمَا بِحكمِهِ عقلا فَإِن الْعِلَل الْعَقْلِيَّة والأوصاف الذاتية الْمُقْتَضِيَة لأحكامها قد تتخلف عَنْهَا لفَوَات شَرط أَو قيام مَانع وَلَا يُوجب ذَلِك سلب اقتضائها لأحكامها عِنْد عدم الْمَانِع وَقيام الشَّرْط وَقد تقدم تَقْرِير ذَلِك الْوَجْه الثَّانِي عشر قَوْلكُم أَنه لم يبْق للمثبتين إِلَّا الاسترواح إِلَى عادات النَّاس من تَسْمِيَة مَا يضرهم قبيحا وَمَا يَنْفَعهُمْ حسنا كَلَام بَاطِل فَإِن استرواحهم إِلَى مَا ركبة الله تَعَالَى فِي عُقُولهمْ وفطرهم وَبعث رسله بتقريره وتكميله من اسْتِحْسَان الْحسن واستقباح الْقَبِيح الْوَجْه الثَّالِث عشر قَوْلكُم أَنَّهَا تخْتَلف بعادة قوم دون قوم وزمان دون زمَان وَمَكَان دون

<<  <  ج: ص:  >  >>