للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكَان وَإِضَافَة دون إِضَافَة فقد تقدم أَن هَذَا الِاخْتِلَاف لَا يخرج هَذِه القبائح والمستحسنات عَن كَون الْحسن والقبح ناشئا من ذواتهما وَأَن الزَّمَان الْمعِين وَالْمَكَان الْمَخْصُوص والشخص والقابل وَالْإِضَافَة شُرُوط لهَذَا الِاقْتِضَاء على حد اقْتِضَاء الأغذية والأدوية والمساكن والملابس آثارها فَإِن اختلافها بالأزمنة والأمكنة والأشخاص والإضافات لَا يُخرجهَا عَن الِاقْتِضَاء الذاتي وَنحن لَا نعنى بِكَوْن الْحسن والقبح ذاتيين إِلَّا هَذَا والمشاحنة فِي الاصطلاحات لَا تنقع طَالب الْحق وَلَا تجدي عَلَيْهِ إِلَّا المناكدة والتعنت فكم يُعِيدُوا ويبدوا فِي الذاتي وَغير الذاتي سموا هَذَا الْمَعْنى بِمَا شِئْتُم ثمَّ أَن أمكنكم إِبْطَاله فأبطلوه

الْوَجْه الرَّابِع عشر قَوْلكُم نَحن لَا ننكر اشتهار القضايا الْحَسَنَة والقبيحة من الْخلق وَكَونهَا محمودة مشكورة مثنى على فاعلها أَو مذموماولكن سَبَب ذكرهَا أما التدين بالشرائع وَأما الاعراض وَنحن إِنَّمَا ننكرها فِي حق الله عز وَجل لانْتِفَاء الاعراض عَنهُ فَهَذَا معترك القَوْل بَين الْفرق فِي هَذِه المسئلة وَغَيرهَا فَنَقُول لكم مَا تعنون معاشرة النفاة بالاعراض الَّتِي نفيتموها عَن الله عز وَجل ونفيتم لاجلها حسن أوَامِر الذاتية وقبح نواهيه الذاتية وزعمتم لاجلها أَنه لَا فرق عِنْده بَين مذمومها ومحمودها وَأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سواهُ فأخبرونا عَن مرادكم بِهَذِهِ اللفطة البديعة المحتملة أتعنون بهَا الحكم والمصالح والعواقب الحميدة والغايات المحبوبة الَّتِي يفعل وَيَأْمُر لأَجلهَا أم تعنون بهَا امرا وَرَاء ذَلِك يجب تَنْزِيه الرب عَنهُ كَمَا يشْعر بِهِ لفظ الاعراض من الارادات فان اردتم الْمَعْنى الأول فنفيكم إِيَّاه عَن أحكم الْحَاكِمين مَذْهَب لكم خالفتم بِهِ صَرِيح الْمَنْقُول وصريح الْمَعْقُول وأتيتم مَا لَا تقر بِهِ الْعُقُول من فعل فَاعل حَكِيم مُخْتَار وَلَا لمصْلحَة وَلَا لغاية محمودة وَلَا عَاقِبَة مَطْلُوبَة بل الْفِعْل وَعَدَمه بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سيان وقلتم مَا تنكره الْفطر والعقول وَيَردهُ التَّنْزِيل وَالِاعْتِبَار وَقد قَررنَا من ذكر الحكم الباهرة فِي الْخلق وَالْأَمر مَا تقربه بِهِ عين كل طَالب للحق وَهَاهُنَا من ادلة اثبات الحكم الْمَقْصُودَة بالخلق والامر أَضْعَاف أَضْعَاف مَا ذكرنَا بل لانسبه لما ذَكرْنَاهُ إِلَى مَا تَرَكْنَاهُ وَكَيف يُمكن انكار ذَلِك وَالْحكمَة فِي خلق الْعَالم وأجزائه ظَاهِرَة لمن تأملها بادية لمن أبصرهَا وَقد رقمت سطورها على صفحات الْمَخْلُوقَات يَقْرَأها كل عَاقل وَغير كَاتب نصبت شاهدة لله بالوحدانية والربوبية وَالْعلم وَالْحكمَة واللطف والخبرة

تَأمل سطور الكائنات فَإِنَّهَا ... من الْمَلأ الْأَعْلَى إِلَيْك رسائل

وَقد خطّ فِيهَا لَو تَأَمَّلت خطها ... أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل

وَأما النُّصُوص على ذَلِك فَمن طلبَهَا بهرته كثرتها وتطابقها ولعلها أَن تزيد على المئين وَمَا يحيله النفاة لحكمة الله تَعَالَى أَن اثباتها يسْتَلْزم افتقارا مِنْهَا واستكمالا بِغَيْرِهِ فهوس ووساواس

<<  <  ج: ص:  >  >>