للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فان هَذَا بِعَيْنِه وَارِد عَلَيْهِم فِي أصل الْفِعْل أَيْضا فَهَذَا إِنَّمَا هُوَ إِكْمَال للصنع لَا استكمال بالصنع وَأَيْضًا فَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ فعاله عَن كَمَاله فَأَنَّهُ كمل فَفعل لَا أَن كَمَاله عَن فعاله فَلَا يُقَال فعل فكمل كَمَا يُقَال للمخلوق وَأَيْضًا فَأن مصدر الْحِكْمَة ومتعلقها وأسبابها عَنهُ سُبْحَانَهُ فَهُوَ الْخَالِق وَهُوَ الْحَكِيم وَهُوَ الْغَنِيّ من كل وَجه أكمل الْغنى وأتمه وَكَمَال الْغنى وَالْحَمْد فِي كَمَال الْقُدْرَة وَالْحكمَة وَمن الْمحَال أَن يكون سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقِيرا إِلَى غَيره فَأَما إِذا كَانَ كل شَيْء فَهُوَ فَقير إِلَيْهِ من كل وَجه وَهُوَ الْغنى الْمُطلق عَن كل شَيْء فَأَي مَحْذُور فِي إِثْبَات حكمته مَعَ احْتِيَاج مَجْمُوع الْعَالم وكل مَا يقدر مَعَه إِلَيْهِ دون غَيره وَهل الْغنى إِلَّا ذَلِك وَللَّه سُبْحَانَهُ فِي كل صنع من صنائعه وَأمر من شرائعه حِكْمَة باهرة وَآيَة ظَاهِرَة تدل على وحدانيته وحكمته وَكَلمه وغناه وقيوميته وَملكه لَا تنكرهَا إِلَّا الْعُقُول السخيفة وَلَا تنبو عَنْهَا إِلَّا الْفطر المنكوسة:

وَللَّه فِي كل تسكينة ... وتحريكة أبدا شَاهد

وَفِي كل شَيْء لَهُ آيَة ... تدل على أَنه وَاحِد

وَبِالْجُمْلَةِ فَنحْن لَا ننكر حِكْمَة الله وَلَا نساعدكم على جَحدهَا لتسميتكم إِيَّاهَا أعراضا وإخراجكم لَهَا فِي هَذَا القالب فَالْحق لَا يُنكر حكمه لسوء التَّعْبِير عَنهُ وَهَذَا اللَّفْظ بدعى لم يرد بِهِ كتاب وَلَا سنة وَلَا أطلقهُ أحد من أَئِمَّة الْإِسْلَام وأتباعهم على الله وَقد قَالَ الْأَمَام أَحْمد لَا نزيل عَن الله صفة من صِفَاته لأجل شناعة المشنعين فَهَل ننكر صِفَات كَمَاله سُبْحَانَهُ لأجل تَسْمِيَة المعطلة والجهمية لَهَا أعراضا ولأرباب المقالات أغراض فِي سوء التَّعْبِير عَن مقالات خصومهم وتخيرهم لَهَا أقبح الْأَلْفَاظ وَحسن التَّعْبِير عَن مقالات أَصْحَابهم وتخيرهم لَهَا أحسن الْأَلْفَاظ وأتباعهم محبوسون فِي قبُول تِلْكَ الْعبارَات لَيْسَ مَعَهم فِي الْحَقِيقَة سواهَا بل لَيْسَ مَعَ المتبوعين غَيرهَا وَصَاحب البصيرة لَا تهوله تِلْكَ الْعبارَات الهائلة بل يجرد الْمَعْنى عَنْهَا وَلَا يكسوه عبارَة مِنْهَا ثمَّ يحملهُ على مَحل الدَّلِيل السَّالِم عَن الْمعَارض فَحِينَئِذٍ يتَبَيَّن لَهُ الْحق من الْبَاطِل والحالي من العاطل

الْوَجْه الْخَامِس عشر قَوْلكُم مُسْتَند الِاسْتِحْسَان والاستقباح التدين بالشرائع فَيُقَال لَا ريب أَن التدين بالشرائع يَقْتَضِي الِاسْتِحْسَان والاستقباح وَلَكِن الشَّرَائِع إِنَّمَا جَاءَت بتكميل الْفطر وتقريرها لَا بتحويلها وتغييرها فَمَا كَانَ فِي الْفطْرَة مستحسنا جَاءَت الشَّرِيعَة باستحسانه فكسته حسنا إِلَى حسنه فَصَارَ حسنا من الْجِهَتَيْنِ وَمَا كَانَ فِي الْفطْرَة مستقبحاجاءت الشَّرِيعَة باستقباحه فكسته قبحا إِلَى قبحه فَصَارَ قبيحا من الْجِهَتَيْنِ وَأَيْضًا فَهَذِهِ القضايا مستحسنة ومستقبحة عِنْد من لم تبلغه الدعْوَة وَلم يقر بنبوة وَأَيْضًا فمجيء الرَّسُول بِالْأَمر بحسنها وَالنَّهْي عَن قبيحها دَلِيل على نبوته وَعلم على رسَالَته كَمَا قَالَ بعض الصَّحَابَة وَقد سُئِلَ عَمَّا أوجب إِسْلَامه فَقَالَ مَا أَمر بِشَيْء فَقَالَ الْعقل ليته نهى عَنهُ وَلَا نهى

<<  <  ج: ص:  >  >>