للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَن شَيْء فَقَالَ الْعقل ليته أَمر بِهِ فَلَو كَانَ الْحسن والقبح لم يكن مركوزا فِي الْفطر والعقول لم يكن مَا أَمر بِهِ الرَّسُول وَنهى عَنهُ علما من أَعْلَام صدقه وَمَعْلُوم أَن شَرعه وَدينه عِنْد الْخَاصَّة من اكبر أَعْلَام صدقه وشواهد نبوته كَمَا تقدم

الْوَجْه السَّادِس عشر قَوْلكُم فِي مثارات الْغَلَط الَّتِي يغلط الْوَهم فِيهَا أَنَّهَا ثَلَاث مثارات الأولى أَن الْإِنْسَان يُطلق اسْم الْقَبِيح على مَا يُخَالف غَرَضه وان كَانَ يُوَافق غَرَض غَيره من حَيْثُ أَنه لَا يلْتَفت إِلَى الْغَيْر فان كل طبع مشغوف بِنَفسِهِ فَيقْضى بالقبح مُطلقًا فقد أصَاب فِي الحكم بالقبح وَأَخْطَأ فِي إِضَافَة الْقبْح إِلَى ذَات الشَّيْء وغفل عَن كَونه قبيحا لمُخَالفَة غَرَضه وَأَخْطَأ فِي حكمه بالقبح مُطلقًا ومنشأه عدم الِالْتِفَات إِلَى غَيره فحاصله أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه إِنَّمَا قضى بالْحسنِ والقبح لموافقة غَرَضه ومخالفته

الثَّانِي أَن هَذِه الْمُوَافقَة والمخالفة لَيست عَامَّة فِي حق كل شخص وزمان وَمَكَان بل وَلَا فِي جَمِيع أَحْوَال الشَّخْص هَذَا حَاصِل مَا طولتم بِهِ فَيُقَال لَا ريب أَن الْحسن يُوَافق الْغَرَض والقبح يُخَالِفهُ وَلَكِن مُوَافقَة هَذَا وَمُخَالفَة هَذَا لما قَامَ بِكُل وَاحِد من الصِّفَات الَّتِي أوجبت الْمُخَالفَة والموافقة إِذْ لَو كَانَا سَوَاء فِي نفس الْأَمر وذاتهما لَا تقتضى حسنا وَلَا قبحا لم يخْتَص أَحدهمَا بالموافقة وَالْآخر بالمخالفة وَلم يكن أَحدهمَا بِمَا اخْتصَّ بِهِ أولى من الْعَكْس فَمَا لجأتم إِلَيْهِ من مُوَافقَة الْغَرَض ومخالفته من أكبر الْأَدِلَّة على أَن ذَات الْفِعْل متصفة بِمَا لأَجله وَافق الْغَرَض وَخَالفهُ وَهَذَا كموافقة الْغَرَض ومخالفته فِي الطعوم والأغذية والروائح فان مَا لاءم مِنْهَا الْإِنْسَان وَوَافَقَهُ مُخَالف بِالذَّاتِ وَالْوَصْف لما نافره مِنْهَا وَخَالفهُ وَلم تكن تِلْكَ الملاءمة والمنافرة لمُجَرّد الْعَادة بل لما قَامَ بالملائم والمنافر من الصِّفَات فَفِي الْخبز والما وَاللَّحم والفاكهة من الصِّفَات الَّتِي اقْتَضَت ملاءمتها الْإِنْسَان مَا لَيْسَ فِي التُّرَاب وَالْحجر والقصب والعصف وَغَيرهَا وَمن سَاوَى بَين الْأَمريْنِ فقد كَابر حسه وعقله فَهَكَذَا مَا لاءم الْعُقُول وَالْفطر من الْأَعْمَال وَالْأَحْوَال وَمَا خالفها هُوَ لما قَامَ بِكُل مِنْهَا من الصِّفَات الَّتِي اخْتصّت بِهِ فَأوجب الملاءمة والمنافرة فملاءمة الْعدْل وَالْإِحْسَان وَالْبر للعقول وَالْفطر وَالْحَيَوَان لما اخْتصّت بِهِ ذَوَات هَذِه الْأَفْعَال من أُمُور لَيست فِي الظُّلم والإساءة وَلَيْسَت هَذِه الملاءمة والمنافرة لمُجَرّد الْعَادة والتدين بالشرائع بل هِيَ أُمُور ذاتية لهَذِهِ الْأَفْعَال وَهَذَا مِمَّا لَا يُنكره الْعقل بعد تصَوره

الْوَجْه السَّابِع عشر أَنا لَا ننكر أَن للْعَادَة وَاخْتِلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان وَالْإِضَافَة وَالْحَال تَأْثِيرا فِي الملاءمة والمنافرة وَلَا ننكر أَن الْإِنْسَان يلائمه مَا اعتاده من الأغذية والمساكن والملابس وينافره مَا لم يعتده مِنْهَا وان كَانَ أشرف مِنْهَا وَأفضل وَمن هَذَا إلْف الأوطان وَحب المساكن والحنين إِلَيْهَا وَلَكِن هَل يلْزم من هَذَا أَن تكون الملاءمة والمنافرة كلهَا ترجع إِلَى الالف وَالْعَادَة الْمُجَرَّدَة وَمَعْلُوم أَن هَذَا مِمَّا لَا سَبِيل إِلَيْهِ إِذْ الحكم على فَرد

<<  <  ج: ص:  >  >>