للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزئي من أَفْرَاد النَّوْع لَا يَقْتَضِي الحكم على جَمِيع النَّوْع واستلزام الْفَرد الْمعِين من النَّوْع اللَّازِم الْمعِين لَا يَقْتَضِي استلزام النَّوْع لَهُ وَثُبُوت خَاصَّة معينه للفرد الجزئي لَا يَقْتَضِي ثُبُوتهَا للنوع الْكُلِّي:

الْوَجْه الثَّامِن عشر أَن غَايَة مَا ذكرْتُمْ من خطأ الْوَهم فِي اعْتِقَاده إِضَافَة الْقبْح إِلَى ذَات الْفِعْل وَحكمه بالاستقباح مُطلقًا مِمَّا قد يعرض فِي بعض الْأَفْعَال فَهَل يلْزم من ذَلِك أَنه حَيْثُ قضى بِهَاتَيْنِ القضيتين يكون غالطا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كل فعل وَنحن إِنَّمَا علمنَا غلطه فِيمَا غلط فِيهِ لقِيَام الدَّلِيل الْعقلِيّ على غلطه فَأَما إِذا كَانَ الدَّلِيل الْعقلِيّ مطابقا لحكمه فَمن أَيْن لكم الحكم بغلطه

فان قُلْتُمْ إِذا ثَبت أَنه يغلط فِي حكم مَا لم يكن حكمه مَقْبُولًا إِذْ لَا ثِقَة بِحكمِهِ قُلْنَا إِذا جوزتم أَن يكون فِي الْفطْرَة حاكمان حَاكم الْوَهم وحاكم الْعقل ونسبتم حكم الْعقل إِلَى حكم الْوَهم وقلتم فِي بعض القضايا الَّتِي يجْزم الْعقل بهَا هِيَ من حكم الْوَهم لم يبْق لكم وثوق بالقضايا الَّتِي يجْزم بهَا الْعقل وَيحكم بهَا لاحْتِمَال أَن يكون مستندها حكم الْوَهم لَا حكم الْعقل فَلَا بُد لكم من التَّفْرِيق بَينهمَا وَلَا بُد أَن تكون قضاياه ضَرُورِيَّة ابْتِدَاء وانتهاء وَإِذا جوزتم أَن يكون بعض القضايا الضرورية وهمية لم يبْق لكم طَرِيق إِلَى التَّفْرِيق

الْوَجْه التَّاسِع عشر أَن هَذَا الَّذِي فرضتموه فِيمَن يتقبح شَيْئا لمُخَالفَة غَرَضه ويستحسنه لموافقة غَرَضه أَو بِالْعَكْسِ إِنَّمَا مورده الْحَسَنَات غَالِبا كالمآكل والملابس والمساكن والمناكح فَأَنَّهَا بِحَسب الدَّوَاعِي والميول والعوائد والمناسبات فَهِيَ إِنَّمَا تكون فِي الحركات وَأما الكليات الْعَقْلِيَّة فَلَا تكَاد تعَارض تِلْكَ فَلَا يكون الْعدْل والصدق وَالْإِحْسَان حسنا عِنْد بعض الْعُقُول قبيحا عِنْد بَعْضهَا كَمَا يكون اللَّوْن اسود مشتهى حسنا مُوَافقا لبَعض النَّاس مبغوضا مستقبحا لبَعْضهِم وَمن اعْتبر هَذَا بِهَذَا فقد خرج وَاعْتبر الشَّيْء بِمَا لَا يَصح اعْتِبَاره بِهِ وَيُؤَيّد هَذَا

الْوَجْه الْعشْرُونَ أَن الْعقل إِذا حكم بقبح الْكَذِب وَالظُّلم وَالْفَوَاحِش فانه لَا يخْتَلف حكمه بذلك فِي حق نَفسه وَلَا غَيره بل يعلم أَن كل عقل يستقبحها وَأَن كَانَ يرتكبها لِحَاجَتِهِ أَو جَهله فَلَمَّا أصَاب فِي استقباحها أصَاب فِي نِسْبَة الْقبْح إِلَى ذَاتهَا وَأصَاب فِي حكمه بقبحها مُطلقًا وَمن غلطه فِي بعض هَذِه الْأَحْكَام فَهُوَ الغالط عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا حكم باستحسان مطعم أَو ملبس أَو مسكن أَو لون فانه يعلم أَن غَيره يحكم باستحسان غَيره وَأَن هَذَا مِمَّا يخْتَلف باخْتلَاف العوائد والأمم والأشخاص فَلَا يحكم بِهِ حكما كليا أَلا حَيْثُ يعلم أَنه لَا يخْتَلف كَمَا يحكم حكما كليا بِأَن كل ظمآن يستحسن شرب المَاء مَا لم يمْنَع مِنْهُ مَانع وكل مقرور يستحسن لِبَاس مَا فِيهِ دفؤه مَا لم يمْنَع مِنْهُ مَانع وَكَذَلِكَ كل جَائِع يستحسن مَا يدْفع بِهِ سُورَة الْجُوع فَهَذَا حكم كلي فِي هَذِه الْأُمُور المستحسنة لَا غلط فِيهِ مَعَ كَون المحسوسات عرضة لاخْتِلَاف النَّاس فِي استحسانها واستقباحها بِحَسب الْأَغْرَاض

<<  <  ج: ص:  >  >>