للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعوائد والالف فَمَا الظَّن بالأمور الْكُلية الْعَقْلِيَّة الَّتِي لَا تخْتَلف إِنَّمَا هِيَ نفى واثبات

الْوَجْه الْحَادِي وَالْعشْرُونَ قَوْلكُم من منارات الْغَلَط إِنَّمَا هُوَ مُخَالف للغرض فِي جَمِيع الْأَحْوَال أَلا فِي حَالَة نادرة بل لَا يلْتَفت الْوَهم إِلَى تِلْكَ الْحَالة النادرة بل لَا يخْطر بالبال فَيقْضى بالقبح مُطلقًا لاستيلاء قبحه على قلبه وَذَهَاب الْحَالة النادرة عَن ذكره فَحكمه على الْكَذِب بِأَنَّهُ قَبِيح مُطلقًا وعقليه ١ عَن الْكَذِب يُسْتَفَاد بِهِ عصمَة دم نَبِي أَو ولي وَإِذا قضى بالقبح مُطلقًا وَاسْتمرّ عَلَيْهِ مرّة وتكرر ذَلِك على سَمعه وَلسَانه انغرس فِي قلبه استقباح مُسْتَند إِلَى أخر فمضمونه بعد الإطالة أَنه لَو كَانَ الْكَذِب قبيحا لذاته لما تخلف عَلَيْهِ الْقبْح وَلكنه يتَخَلَّف إِذا تضمن عصمَة دم نَبِي فَفِي هَذِه الْحَالة وَنَحْوهَا لَا يكون قبيحا وَهِي حَالَة نادرة لَا تكَاد تخطر بالبال فَيقْضى الْعقل بقبح الْكَذِب مُطلقًا ويغفل عَن هَذِه الْحَالة وَهِي تنَافِي حكمه بقبحه مُطلقًا ثمَّ تتْرك وينشأ على ذَلِك الِاعْتِقَاد فيظن أَن قبحه لذاته مُطلقًا وَلَيْسَ كَذَلِك وَهَذَا بعد تَسْلِيمه لَا يمْنَع كَونه قبيحا لذاته وان تخلف الْقبْح عَنهُ لمعارض رَاجِح كَمَا أَن الاغذاء بالميتة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَيُوجب نباتا خبيثا وان يخلف عَنهُ ذَلِك عِنْد المخمصة كَيفَ وَقد بَينا أَن الْقبْح لَا يتَخَلَّف عَن الْكَذِب أصلا وَأما إِذا تضمن عصمَة ولي فالحسن إِنَّمَا هُوَ التَّعْرِيض

والصدق لَا يقبح أبدا وانما الْقَبِيح الْأَعْلَام بِهِ وَفرق بَين الْخَبَر وَالْأَخْبَار فالقبح إِنَّمَا وَقع فِي الْأَخْبَار لَا فِي الْخَبَر وَلَو سلمنَا ذَلِك كُله لتخلف الحكم الْعقلِيّ لقِيَام مَانع أَو لفَوَات شَرط غير مستنكر فَهَذِهِ الشُّبْهَة من أَضْعَف الشّبَه وحسبك ضعفا بِحكم إِنَّمَا يسْتَند إِلَيْهَا والى أَمْثَالهَا الْوَجْه الثَّانِي وَالْعشْرُونَ أَن الْوَهم قد سبق إِلَى الْعَكْس كمن يرى شَيْئا مَقْرُونا بِشَيْء فيظن الشَّيْء لَا محَالة مَقْرُونا بِهِ مُطلقًا وَلَا يدرى أَن الْأَخَص أبدا مقرون بالأعم من غير عكس وتمثيلكم ذَلِك بنفرة السَّلِيم من الْحَبل المرقش ونفور الطَّبْع عَن الْعَسَل إِذا شبه بالعذرة إِلَى آخر مَا ذكرْتُمْ من الْأَمْثَال كنفرة الطَّبْع عَن الْحَسْنَاء ذَات الِاسْم الْقَبِيح ونفرة الرجل عَن الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الْمَيِّت ونفرة كثير من النَّاس عَن الْأَقْوَال الصَّحِيحَة الَّتِي تُضَاف إِلَى من يسيؤن الظَّن بهم فَنحْن لَا ننكر أَن للوهم تَأْثِير فِي النُّفُوس وَفِي الْحبّ والبغض بل هُوَ غَالب على أَكثر النُّفُوس فِي كثير من الْأَحْوَال وَلَكِن إِذا سلط عَلَيْهِ الْعقل الصَّرِيح تبين غلطه وَأَن مَا حكم بِهِ إِنَّمَا هُوَ موهوم لَا مَعْقُول كَمَا إِذا سلط الْعقل الصَّرِيح وَالْحسن على الْحَبل المرقش تبين أَن نفرة الطَّبْع عَنهُ مستندها الْوَهم الْبَاطِل وَكَذَلِكَ إِذا سلط الذَّوْق وَالْعقل على الْعَسَل تبين أَن نفرة الطَّبْع عَنهُ مستندها

<<  <  ج: ص:  >  >>