للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَهم الْكَاذِب وَإِذا تَأمل الطّرف محَاسِن الجميلة البديعة الْجمال تبين أَن نفرته عَنْهَا لقبح اسْمهَا وهم فَاسد وَإِذا سلط الْعقل الصَّرِيح على الْمَيِّت تبين أَن نفرة الرجل عَنهُ لتوهم حركته وثورانه خيال بَاطِل وَوهم فَاسد وَهَكَذَا نَظَائِر ذَلِك أفتري يلْزم من هَذَا أَنا إِذا سلطنا الْعقل الصَّرِيح على الْكَذِب وَالظُّلم وَالْفَوَاحِش والإساءة إِلَى النَّاس وكفران النعم وَضرب الْوَالِدين وَالْمُبَالغَة فِي أهانتهما وسبهما وأمثال ذَلِك تبين أَن حكمه بقبحها وهم مِنْهُ ليَكُون نَظِير مَا ذكرْتُمْ من الْأَمْثِلَة وَهل فِي الِاعْتِبَار أفسد من اعتباركم هَذَا فان الحكم فِيمَا ذكرْتُمْ قد تبين بِالْعقلِ الصَّرِيح والحس أَنه حكم وهمي وَنحن لَا ننازع فِيهِ وَلَا عَاقل لأَنا أَن سلطنا عَلَيْهِ الْعقل والحس ظهر أَن مُسْتَنده الْوَهم وَأما فِي القضايا الَّتِي ركب فِي الْعُقُول وَالْفطر حسنها وقبحا فَأَنا إِذا سلطنا الْعقل الصَّرِيح عَلَيْهَا لم يحكم لَهَا بِخِلَاف مَا هِيَ عَلَيْهِ أبدا أَلا أَن يلجؤا إِلَى دبوس السَّارِق وَهُوَ الصدْق المتضمن هَلَاك والى الْكَذِب المتضمن عصمته وَلَيْسَ مَعكُمْ مَا تصولون بِهِ سواهُ وَقد بَينا حَقِيقَة الْأَمر فِيهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَة وَحَتَّى لَو كَانَ الْأَمر فيهمَا كَمَا ذكرْتُمْ قطعا لم يجز أَن يبطل بهما ماركبه الله فِي الْعُقُول وَالْفطر وألزمها إِيَّاه التزاما لَا انفكاك لَهَا عَنهُ من اسْتِحْسَان الْحسن واستقباح الْقَبِيح وَالْحكم بقبحه والتفرقة الْعَقْلِيَّة التابعة لذواتهما وأوصافهما بَينهمَا وَقد أنكر الله سُبْحَانَهُ على الْعُقُول الَّتِي جوزت أَن يَجْعَل الله فَاعل الْقَبِيح وفاعل الْحسن سَوَاء ونزه نَفسه عَن هَذَا الظَّن وَعَن نِسْبَة هَذَا الحكم الْبَاطِل إِلَيْهِ وَلَوْلَا أَن ذَلِك قَبِيح عقلا لما أنكرهُ على الْعُقُول الَّتِي جوزته فان الْإِنْكَار إِنَّمَا كَانَ يتَوَجَّه عَلَيْهِم بِمُجَرَّد الشَّرْع وَالْخَبَر لَا بإفساد مَا ظنوه عقلا

وَلَا يُقَال فَلَو كَانَ هَذَا الحكم بَاطِلا قطعا لما جوزه أُولَئِكَ الْعُقَلَاء لِأَن هَذَا احتجاج بعقول أهل الشّرك الْفَاسِدَة الَّتِي عابها الله وَشهد عَلَيْهِم بِأَنَّهُم لَا يعْقلُونَ وشهدوا على أنفسهم بِأَنَّهُم أَو لَو كَانُوا يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ مَا كَانُوا فِي أَصْحَاب السعير وَهل يُقَال أَن اسْتِحْسَان عبَادَة الْأَصْنَام بعقولهم واستحسان التَّثْلِيث وَالسُّجُود للقمر وَعبادَة النَّار وتعظيم الصَّلِيب يدل على حسنها لاستحسان بعض الْعُقَلَاء لَهَا فان قيل فَهَذَا حجَّة عَلَيْكُم فان عقول هَؤُلَاءِ قد قَضَت بحسنها وَهِي أقبح القبائح قيل مَا مثلنَا ومثلكم فِي ذَلِك أَلا كَمثل من قَالَ إِذا كَانَ الْأَحْوَال يرى الْقَمَر اثْنَيْنِ لم يبْق لنا وثوق بِكَوْن صَحِيح الْفَم إِذا ذاق الشَّيْء المر يذوقه عذبا وحلوا وَإِذا كَانَ صَاحب الْفَهم السقيم يعيب القَوْل الصَّحِيح وَيشْهد بِبُطْلَانِهِ لم يبْق لنا وثوق بِشَهَادَة صَاحب الْفَهم الْمُسْتَقيم بِصِحَّتِهِ إِلَى أَمْثَال ذَلِك فَإِذا كَانَت فطْرَة أمة من الْأُمَم وشرذمة من النَّاس وعقولهم قد فَسدتْ فَهَل يلْزم من هَذَا إبِْطَال شَهَادَة الْعُقُول السليمة وَالْفطر المستقيمة وَلَو صَحَّ لكم هَذَا الِاعْتِرَاض لبطل استدلالكم على كل مُنَازع لكم فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>