كل مَسْأَلَة فانه عَاقل وَقد شهد عقله بهَا بِخِلَاف قَوْلكُم وَكفى بِهَذَا فَسَادًا وبطلانا وَكفى برد الْعُقُول وَسَائِر الْعُقَلَاء لَهُ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
الْوَجْه الثَّالِث وَالْعشْرُونَ قَوْلكُم أَن الْملك الْعَظِيم إِذا رأى مِسْكينا مشرفا على الْهَلَاك اسْتحْسنَ إنقاذه وَالسَّبَب فِي ذَلِك دفع الأذي الَّذِي يلْحق الْإِنْسَان من رقة الجنسية وَهُوَ طبع يَسْتَحِيل الانفكاك عَنهُ إِلَى آخِره كَلَام فِي غَايَة الْفساد فان مضمونه أَن هَذَا الْإِحْسَان الْعَظِيم والتنزل من مثل هَذَا الْملك الْقَادِر إِلَى الْإِحْسَان إِلَى مجهود مضرور قد مَسّه الضّر وتقطعت بِهِ الْأَسْبَاب وانقطعت بِهِ الْحِيَل لَيْسَ فعلا حسنا فِي نَفسه وَلَا فرق عِنْد الْعقل بَين ذَلِك وان يلقى عَلَيْهِ حجرا يغرقه وانما مَال إِلَيْهِ طبعه لرقه الجنسية ولتصويره نَفسه فِي تِلْكَ الْحَال واحتياجه إِلَى من ينقذه وَألا فَلَو جردنا النّظر إِلَى ذَات الْفِعْل وضربنا صفحا عَن لوازمه وَمَا يقْتَرن بِهِ وَيبْعَث عَلَيْهِ لم يقْض الْعقل بحسنه وَلم يفرق بَينه وَبَين إِلْقَاء حجر عَلَيْهِ حَتَّى يغرقه هَذَا قَول يكفى فِي فَسَاده مُجَرّد تصَوره وَلَيْسَ فِي الْمُقدمَات البديهية مَا هُوَ أجلى وأوضح من كَون مثل هَذَا الْفِعْل حسنا لذاته حَتَّى يحْتَج بهَا عَلَيْهِ فان الِاحْتِجَاج إِنَّمَا يكون بالأوضح على الأخفى فَإِذا كَانَ الْمَطْلُوب الْمُسْتَدلّ عَلَيْهِ أوضح من الدَّلِيل كَانَ الِاسْتِدْلَال عناء وكلفة وَلَكِن تصور الدَّعْوَى ومقابلتها تصويرا مُجَردا يعرضان على الْعُقُول الَّتِي لم يسْبق إِلَيْهَا تَقْلِيد الآراء وَلم يتواطأ عَلَيْهَا ويتلقاها صاغر عَن كَابر وَولد عَن وَالِد حَتَّى نشأت مَعهَا بنشئها فَهِيَ تسْعَى بنصرتها بِمَا دب ودرج من الْأَدِلَّة لاعتقادها أَولا أَنَّهَا حق فِي نَفسهَا لإحسانها الظَّن بأربابها فَلَو تجردت من حب من وَلدته وبغض من خالفته وجردت النّظر وصابرت الْعلم وتابعت الْمسير فِي المسئلة إِلَى آخرهَا لَأَوْشَكَ أَن تعلم الْحق من الْبَاطِل وَلَكِن حبك الشَّيْء يعمى ويصم وَالنَّظَر بِعَين البغض يرى المحاسن مساوى هَذَا فِي إِدْرَاك الْبَصَر مَعَ ظُهُوره ووضوحه فَكيف فِي إِدْرَاك البصيرة لَا سِيمَا إِذا صَادِق مُشكلا فَهَذِهِ بلية أَكثر الْعَالم
فان تنج مِنْهَا تنج من ذِي عَظِيمَة ... وَألا فَإِنِّي لَا أخالك ناجيا
الْوَجْه الرَّابِع وَالْعشْرُونَ أَن اقتران هَذِه الْأُمُور الَّتِي ذكرتموها من رقة الجنسية وتصور نَفسه بِصُورَة من يُرِيد إِنْفَاذه وَنَحْوهَا هِيَ أُمُور تقترن بِهَذَا الْإِحْسَان فَيقوم الْبَاعِث على فعله وَلَا يُوجب تجرده عَن وصف يَقْتَضِي حسنه وان يكون ذَاته مقتضية لحسنة وان اقْترن بفاعل هَذَا الْأُمُور وَمَا مثلكُمْ فِي ذَلِك أَلا كَمثل من قَالَ أَن تنَاول الْأَطْعِمَة والأغذية والأدوية لَيْسَ حسنا لذاته فانه يقْتَرن بمتناولها من لَذَّة الْمرة لفم الْمعدة مَا يُوجب نزوعها إِلَى طلب الْغذَاء لقِيَام البنيه وَكَذَلِكَ الْأَدْوِيَة وَغَيرهَا وَمَعْلُوم أَن هَذِه البواعث والدواعي وَأَسْبَاب الميول لَا يُنَافِي الِاقْتِضَاء الذاتي وَقيام الصِّفَات الَّتِي تَقْتَضِي الِانْتِفَاع بهَا فَكَذَلِك تِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute