لله وشهادتك بِالْقِسْطِ وَأَن لَا يحملك بغض منازعيك وخصومك على جحد دينهم وتقبيح محاسنهم وَترك الْعدْل فيهم فان الله لَا يعْتد بتعب من هَذَا ثناه وَلَا يجدي علمه نفعا أحْوج مَا يكون إِلَيْهِ وَالله يحب المقسطين وَلَا يحب الظَّالِمين
الْوَجْه الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ قَوْلكُم أَن مُسْتَند الحكم يقبح الْكَذِب غَائِبا على الشَّاهِد وَهُوَ فَاسد فَيُقَال الرب تَعَالَى لَا يدْخل مَعَ خلقه فِي قِيَاس تَمْثِيل وَلَا قِيَاس شُهُود يَسْتَوِي أَفْرَاده فهذان الفرعان من الْقيَاس يَسْتَحِيل ثبوتهما فِي حَقه وَأما قِيَاس الأولى فَهُوَ غير مُسْتَحِيل فِي حَقه بل هُوَ وَاجِب لَهُ وَهُوَ مُسْتَعْمل فِي حَقه عقلا ونقلا أما الْعقل فكاستدلالنا على أَن معطى الْكَمَال أَحَق بالكمال فَمن جعل غَيره سميعا بَصيرًا عَالما متكلما حَيا حكيما قَادِرًا مرِيدا رحِيما محسنا فَهُوَ أولى بذلك وأحق مِنْهُ وَيثبت لَهُ من هَذِه الصِّفَات أكملها وأتمها وَهَذَا مُقْتَضى قَوْلهم كَمَال الْمَعْلُول مُسْتَفَاد من كَمَال علته وَلَكِن نَحن ننزه الله عز وَجل عَن إِطْلَاق هَذِه الْعبارَة فِي حَقه بل نقُول كل كَمَال ثَبت للمخلوق غير مُسْتَلْزم للنقص فخالقه ومعطيه إِيَّاه أَحَق بالاتصاف بِهِ وكل نقص فِي الْمَخْلُوق فالخالق أَحَق بالتنزه عَنهُ كالكذب وَالظُّلم والسفه وَالْعَيْب بل يجب تَنْزِيه الرب تَعَالَى عَن كل النقائص والعيوب مُطلقًا وان لم يتنزه عَنْهَا بعض المخلوقين وَكَذَلِكَ إِذا استدللنا على حكمته تَعَالَى بِهَذِهِ الطرائق نَحْو أَن يُقَال إِذا كَانَ الْفَاعِل الْحَكِيم الَّذِي لَا يفعل فعلا إِلَّا لحكمة وَغَايَة مَطْلُوبَة لَهُ من فعله أكمل مِمَّن يفعل لَا لغاية وَلَا لحكمة وَلَا لأجل عَاقِبَة محمودة وَهِي مَطْلُوبَة من فعله فِي الشَّاهِد فَفِي حَقه تَعَالَى أولى وَأَحْرَى فَإِذا كَانَ الْفِعْل للحكمة كَمَا لَا فِينَا فالرب تَعَالَى أولى بِهِ وأحق وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ التَّنَزُّه عَن الظُّلم وَالْكذب كَمَا لَا فِي حَقنا فالرب تَعَالَى أولى وأحق بالتنزه عَنهُ وَبِهَذَا وَنَحْوه ضرب الله الْأَمْثَال فِي الْقُرْآن وَذكر الْعُقُول ونبهها وأرشدها إِلَى ذَلِك كَقَوْلِه {ضرب الله مثلا رجلا فِيهِ شُرَكَاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هَل يستويان مثلا} فَهَذَا مثل ضربه يتَضَمَّن قِيَاس الأول يَعْنِي إِذا كَانَ الْمَمْلُوك فِيكُم لَهُ ملاك مشتركون فِيهِ وهم متنازعون ومملوك آخر لَهُ مَالك وَاحِد فَهَل يكون هَذَا وَهَذَا سَوَاء فَإِذا كَانَ هَذَا لَيْسَ عنْدكُمْ كمن لَهُ رب وَاحِد وَمَالك وَاحِد فَكيف ترْضونَ أَن تجْعَلُوا لأنفسكم آلِهَة مُتعَدِّدَة تجعلونها شُرَكَاء لله تحبونها كَمَا يحبونه وتخافونها كَمَا يخافونه وترجونها كَمَا يرجونه وَكَقَوْلِه تَعَالَى وَإِذا بشر أحدهم بِمَا ضرب للرحمن مثلا ظلّ وهجه مسودا وَهُوَ كظيم يَعْنِي أَن أحدكُم لَا يرضى أَن يكون لَهُ بنت فَكيف تَجْعَلُونَ لله مَالا ترضونه لأنفسكم وَكَقَوْلِه {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء وَمن رزقناه منا رزقا حسنا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ سرا وجهرا هَل يستوون الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ وَضرب الله مثلا رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم لَا يقدر على شَيْء وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يوجهه لَا يَأْتِ بِخَير هَل}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute