الْوَجْه الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ قَوْلكُم أَن غَايَة هَذَا أَن يدل على قبح الْكَذِب وَحسن الصدْق شَاهدا وَلَا يلْزم مِنْهُ حسنه وقبحه وغائبا أَلا بطرِيق قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد وَهُوَ بَاطِل لوضوح الْفرق واستنادكم فِي الْفرق إِلَى مَا ذكرْتُمْ من تخلية الله بَين عباده يموج بَعضهم فِي بعض ظلما وإفسادا وقبح ذَلِك مشَاهد فيالله الْعجب كَيفَ يجوز الْعقل الْتِزَام مَذْهَب مُلْتَزم مَعَه جَوَاز الْكَذِب على رب الْعَالمين وأصدق الصَّادِقين وَأَنه لَا فرق أصلا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بَين الصدْق وَالْكذب بل جَوَاز الْكَذِب عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ علوا كَبِيرا كجواز الصدْق وَحسنه لحسنه وَهل هَذَا أَلا من أعظم الْإِفْك وَالْبَاطِل ونسبته إِلَى الله تَعَالَى جَوَازًا كنسبة مَا لَا يَلِيق بجلاله إِلَيْهِ من الْوَلَد وَالزَّوْجَة وَالشَّرِيك بل لنسبة أَنْوَاع الظُّلم وَالشَّر إِلَيْهِ جَوَازًا تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا فَمن اصدق من الله حَدِيثا وَمن أصدق من الله قيلا وَهل هَذَا الْإِفْك المفترى أَلا رَافع للوثوق بأخباره ووعده ووعيده وتجويزه عَلَيْهِ وعَلى كَلَامه مَا هُوَ أقبح القبائح الَّتِي تنزه عَنْهَا بعض عبيده وَلَا يَلِيق بِهِ فضلا عَنهُ سُبْحَانَهُ فَلَو التزمتم كل إِلْزَام بِلُزُوم مُسَمّى الْحسن والقبح العقليين لَكَانَ أسهل من الْتِزَام هَذَا الإد الَّتِي تكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هَذَا وَلَا نِسْبَة فِي الْقبْح بَين الْوَلَد وَالشَّرِيك وَالزَّوْجَة وَبَين الْكَذِب وَلِهَذَا فطر الله عقول عباده على الازدراء والذم والمقت للكاذب دون من لَهُ زَوْجَة وَولد وَشريك فتنزه أصدق الصَّادِقين عَن هَذَا الْقَبِيح كتنزهه عَن الْوَلَد وَالزَّوْجَة وَالشَّرِيك بل لَا يعرف أحد من طوائف هَذَا الْعَالم جوز الْكَذِب على الله لما فطر الله عقول الْبشر وَغَيرهم على قبحه ومقت فَاعله وخسته ودناءته
وَنسبَة طوائف الْمُشْركين الشَّرِيك وَالْولد إِلَيْهِ لما لم يكن قبحه عِنْدهم كقبح الْكَذِب وَكفى بِمذهب بطلانا وَفَسَادًا هَذَا القَوْل الْعَظِيم والإفك الْمُبين لَازِمَة وَمَعَ هَذَا فأهله لَا يتحاشون من الْتِزَامه فَلَو الْتزم الْقَائِل أَن يذهب الذَّم كَانَ خيرا لَهُ من هَذَا وَنحن نَسْتَغْفِر الله من التَّقْصِير فِي رد أهل الْمَذْهَب الْقَبِيح وَلَكِن ظُهُور قبحه للعقول وَالْفطر أقوى شَاهد على رده وإبطاله وَلَقَد كَانَ كافينا من رده نفس تَصْوِيره وَعرضه على عقول النَّاس وفطرهم فَلْيتَأَمَّل اللبيب الْفَاضِل مَاذَا يعود إِلَيْهِ نصر المقالات والتعصب لَهَا والتزام لوازمها وإحسان الظَّن بأربابها بِحَيْثُ يرى مساويهم محَاسِن وإساءة الظَّن بخصومهم بِحَيْثُ يرى محاسنهم مساوي كم أفسد هَذَا السلوك من فطْرَة وصاحبها من الَّذين يحسبون أَنهم على شَيْء إِلَّا انهم هم الْكَاذِبُونَ وَلَا يتعجب من هَذَا فان مرْآة الْقلب لَا يزَال يتنفس فِيهَا حَتَّى يستحكم صداؤها فَلَيْسَ ببدع لَهَا أَن ترى الْأَشْيَاء على خلاف مَا هِيَ عَلَيْهِ فمبدأ الْهدى والفلاح صقال تِلْكَ الْمرْآة وَمنع الْهوى من التنفس فِيهَا وَفتح عين البصيرة فِي أَقْوَال من يسيء الظَّن بهم كَمَا يقبحها فِي أَقْوَال من يحسن الظَّن بِهِ وقيامك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute