الْأَعْضَاء لِسَان كذوب وَكم قد أزيلت بِالْكَذِبِ من دوَل وممالك وَخَربَتْ بِهِ من بِلَاد واستلبت بِهِ من نعم وتعطلت بِهِ من معايش وفسدت بِهِ مصَالح وغرست بِهِ عداوات وَقطعت بِهِ مودات وافتقر بِهِ غنى وذل بِهِ عَزِيز وهتكت بِهِ مصونة ورميت بِهِ مُحصنَة وخلت بِهِ دور وقصور وعمرت بِهِ قُبُور وأزيل بِهِ أنس واستجلبت بِهِ وَحْشَة وأفسد بِهِ بَين الابْن وَأَبِيهِ وغاض بَين الْأَخ وأخيه وأحال الصّديق عدوا مُبينًا ورد الْغنى الْعَزِيز مِسْكينا وَكم فرق بَين الحبيب وحبيبه فأفسد عَلَيْهِ عيشته ونغص عَلَيْهِ حَيَاته وَكم جلا عَن الأوطان وَكم سود من وُجُوه وطمس من نور وأعمى من بَصِيرَة وأفسد من عقل وَغير من فطْرَة وجلب من معرة وَقطعت بِهِ السبل وعفت بِهِ معالم الْهِدَايَة ودرست بِهِ من آثَار النُّبُوَّة وخفيت بِهِ من مصَالح الْعباد فِي المعاش والمعاد وَهَذَا وأضعافه ذرة من مفاسده وَجَنَاح بعوضة من مضاره ومصالحه أَلا فَمَا يجلبه من غضب الرَّحْمَن وحرمان الْجنان وحلول دَار الهوان أعظم من ذَلِك وَهل ملئت الْجَحِيم أَلا بِأَهْل الْكَذِب الْكَاذِبين على الله وعَلى رَسُوله وعَلى دينه وعَلى أوليائه المكذبين بِالْحَقِّ حمية وعصبية جَاهِلِيَّة وَهل عمرت الْجنان أَلا بِأَهْل الصدْق الصَّادِقين المصدقين بِالْحَقِّ قَالَ تَعَالَى فَمن أظلم مِمَّن كذب على الله وَكذب بِالصّدقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مثوى للْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ أُولَئِكَ هم المتقون لَهُم مَا يشاؤن عِنْد رَبهم ذَلِك جَزَاء الْمُحْسِنِينَ وَإِذا كَانَت هَذِه حَال الْكَذِب والصدق فَمن أبطل الْبَاطِل دَعْوَى تساويهما وان الْعقل إِنَّمَا يُؤثر الصدْق لتوهم اقترانه بالثناء وانما يتَجَنَّب الْكَذِب لتوهم اقترانه بالقبح كتوهم اقتران اللسع فِي الْحَبل المرقش ورد استقباح هَذِه الْمَفَاسِد والمقابح الَّتِي لَا أقبح مِنْهَا إِلَى مُجَرّد وهم بَاطِل شبه نفرة الطَّبْع عَن الْحَبل المرقش وَنَفس الْعلم بِهَذِهِ الْمقَالة كَاف فِي الْجَزْم ببطلانها وَلَو ذَهَبْنَا نعدد قبائح الْكَذِب الناشئة من ذَاته وَصِفَاته لزادت عَن الْألف وَمَا من عَاقل أَلا وَعند الْعلم بِبَعْض ذَلِك علما ضَرُورِيًّا مركوزا فِي فطرته فَمَا سوى الله بَينه وَبَين الصدْق أبدا وَدَعوى استوائهما كدعوى اسْتِوَاء النُّور والظلمة وَالْكفْر والأيمان وخراب الْعَالم واهلاك الْحَرْث والنسل وعمارته بل كدعوى اسْتِوَاء الْجُوع والشبع والري والظمأ والفرح وَالْغَم وَأَنه لَا فرق عِنْد الْعقل بَين علمه بِهَذَا وَهَذَا
الْوَجْه الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ قَوْلكُم الصدْق وَالْكذب متنافيان وَمن الْمحَال تَسَاوِي المتنافيين فِي جَمِيع الصِّفَات إِلَى آخِره إِقْرَار مِنْكُم بِالْحَقِّ وَنقض لما أصلتموه فانهما إِذا كَانَا متنافيين ذاتا وصفاتا لم يرجع الْفرق بَينهمَا اسْتِحْسَانًا واستقباحا إِلَى مُجَرّد الْعَادة والمنشأ والوباء أَو مُجَرّد التدين بالشرائع بل يكون مرجع الْفرق إِلَى ذاتهما وَأَن ذَات هَذَا مقتضية لحسنه وَذَات هَذَا مقتضية لقبحه وَهَذَا هُوَ عين الصَّوَاب لَوْلَا أَنكُمْ لَا تثبتون علته وتصرحون بِأَن الْفرق بَينهمَا سَببه الْعَادة والتربية والمنشأ والتدين بشرائع الْأَنْبِيَاء حَتَّى لَو فرض انْتِفَاء ذَلِك لم يُؤثر الرجل الصدْق على الْكَذِب وَهل فِي التَّنَاقُض أقبح من هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute