للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى ذَلِك الْمَكَان مَعَ مساواته لجَمِيع الْأَمْكِنَة عِنْده وَكَذَلِكَ حنينه إِلَى وَطنه ومحته لَهُ وَكَذَلِكَ حنينه إِلَى الفه من النَّاس وَغَيرهم فان هَذَا لَا يَقع مِنْهُ مَعَ تَسَاوِي تِلْكَ الْأَمَاكِن والأشخاص عِنْده بل لظَنّه اختصاصهما بِأُمُور لَا تُوجد فِي سواهُمَا فترتب ذَلِك الْحبّ والميل على هَذَا الظَّن ثمَّ لَهُ حالان أَحدهمَا أَن يكون كَمَا ظَنّه بل ذَلِك الْمَكَان أَو الشَّخْص مساولغيره وَرُبمَا يكون غَيره أكمل مِنْهُ فِي الْأَوْصَاف الَّتِي تَقْتَضِي حبه والميل إِلَيْهِ فَهَذَا إِذا سلط الْعقل الْحس على سَبَب ميله وحبه علم أَنه مُجَرّد الف أَو عَادَة أَو تذكر أَو تخيل وَهَذَا الْوَهم مُسْتَند إِلَى مَا تقرر فِي الْعقل من أَن اخْتِصَاص الْحبّ والميل بالشَّيْء دون غَيره لما اخْتصَّ بِهِ من الصِّفَات الَّتِي اقْتَضَت ذَلِك وَكَذَلِكَ تعلق النفرة والبغض بِهِ ثمَّ تغلب الْوَهم حَتَّى يتخيل أَن تِلْكَ الصِّفَات باينة عَن الْمحل وَلَيْسَت فِيهِ بل يكون الْمحل مَقْرُونا بِتِلْكَ الصِّفَات فيحب وَيبغض لأجل تِلْكَ الْمُفَارقَة فمقارن المحبوب مَحْبُوب ومقارن الْمَكْرُوه مَكْرُوه كَقَوْلِه

وَمَا حب الديار شغفن قلبِي ... وَلَكِن حب من سكن الديارا

وَقَول الآخر

إِذا ذكرُوا أوطانهم ذكرتهمو عهودا ... جرت فِيهَا فحبوا لدالكا

الْوَجْه التَّاسِع وَالْعشْرُونَ قَوْلكُم أَن الصَّبْر على السَّيْف فِي ترك كلمة الْكفْر لَا يستحسنه الْعُقَلَاء لَوْلَا الشَّرْع بل رُبمَا استقبحوه إِنَّمَا يستحسن الثَّوَاب أَو الثَّنَاء بالشجاعة وَكَذَلِكَ بِالصبرِ على حفظ السِّرّ وَالْوَفَاء بالعهد لما فِي ذَلِك من الْمصَالح فان فرض حَيْثُ لَا تنافيه فقد وجد مَقْرُونا بالثناء فَيبقى ميل الْوَهم المقرون فَيُقَال لكم اسْتِحْسَان الشَّرْع لَهُ مُطَابق لاستحسان الْعقل لَا مُخَالف وَكَذَلِكَ انْتِظَار الثَّوَاب بِهِ وَهُوَ حسنه فِي نَفسه وَكَذَلِكَ الْمصَالح المترتبة على حفظ السِّرّ وَالْوَفَاء بالعهد هِيَ لما قَامَ بذوات هَذِه الْأَفْعَال من الصِّفَات الَّتِي أوجبت الْمصَالح إِذْ لَو ساوت غَيرهَا لم تكن باقتضاء الْمصلحَة أولى مِنْهَا وقولكم أَنه إِذا وَجب فرض حَيْثُ لاثناء ينفى ميل الْوَهم للمقارنة فقد تقدم أَن هَذَا الْميل تبع للْحَقِيقَة وَأَنه يَسْتَحِيل وجوده فِي فعل لَا تَقْتَضِي ذَاته الْمصلحَة وَالِاسْتِحْسَان وان حُصُول الْوَهم الْمُقَارن تبع للْحَقِيقَة الثَّابِتَة لِاسْتِحَالَة حُصُول هَذَا الْوَهم فِي فعل لَا تكون ذَاته منشأ لِلْأَمْرِ الموهوم فيتوهم الذِّهْن حَيْثُ تَنْتفِي الْحَقِيقَة

الْوَجْه الثَّلَاثُونَ قَوْلكُم أَن من عرضت لَهُ حَاجَة وَأمكن قضاءها بِالصّدقِ وَالْكذب وَأَنه إِنَّمَا يُؤثر الصدْق لِأَنَّهُ وجده مَقْرُونا بالثناء فَهُوَ يؤثره لما يقْتَرن بِهِ من الثَّنَاء فَجَوَابه أَيْضا مَا تقدم وَأَن اقترانه بالثناء لما اخْتصَّ بِهِ من الصِّفَات الَّتِي اقْتَضَت الثَّنَاء على فَاعله كَيفَ وَالْكذب مُتَضَمّن لفساد تظلم الْعَالم وَلَا يُمكن قيام الْعَالم عَلَيْهِ لَا فِي معاشهم وَلَا فِي معادهم بل هُوَ مُتَضَمّن لفساد المعاش والمعاد ومفاسد الْكَذِب اللَّازِمَة لَهُ مَعْلُومَة عِنْد خَاصَّة النَّاس وعامتهم كَيفَ وَهُوَ منشأ كل وَفَسَاد

<<  <  ج: ص:  >  >>