للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ غايات محمودة محبوبة لله وَهِي ملزومة لأقدار الْعباد وتمكينهم من الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَوُجُود الْمَلْزُوم بِدُونِ اللَّازِم محَال وَقد نبهنا على شَيْء يسير من الحكم الْمَطْلُوبَة والغايات المحمودة فِيمَا سلف من هَذَا الْفَصْل وَفِي أول الْكتاب فَلَو أَن الرب تَعَالَى خلق خلقه ممنوعين من الْمعاصِي غير قَادِرين عَلَيْهَا بِوَجْه لم يكن لإرسال الرُّسُل وانزال الْكتب وَالْأَمر والنهى وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب سَبَب يَقْتَضِيهِ وَلَا حِكْمَة تستدعيه وَفِي ذَلِك تعطل الْأَمر جملَة بل تَعْطِيل الْملك وَالْحَمْد والرب تَعَالَى لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَله الْملك وَالْحَمْد والغايات الْمَطْلُوبَة والعواقب المحمودة الَّتِي لأَجلهَا أنزل كتبه وَأرْسل رسله وَشرع شرائعه وَخلق الْجنَّة وَالنَّار وَوضع الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَذَلِكَ لَا يحصل إِلَّا بأقدار الْعباد على الْخَيْر وَالشَّر وتمكينهم من ذَلِك فَأَعْطَاهُمْ الْأَسْبَاب والآلات الَّتِي يتمكنون بهَا من فعل هَذَا وَهَذَا فَلهَذَا حسن مِنْهُ تبَارك وَتَعَالَى التَّخْلِيَة بَين عباده وَبَين مَا هم فاعلوه وقبح من أَحَدنَا أَن يخلى بَين عبيده وَبَين الْإِفْسَاد وَهُوَ قَادر على مَنعهم هَذَا مَعَ أَنه سُبْحَانَهُ لم يخل بَينهم بل مَنعهم مِنْهُ وَحرمه عَلَيْهِم وَنصب لَهُم الْعُقُوبَات الدُّنْيَوِيَّة والأخروية على القبائح وَأحل بهم من بأسه وعذابه وانتقامه مَالا يَفْعَله السَّيِّد من المخلوقين بعبيده ليمنعهم ويزجرهم فقولكم أَنه خلى بَين عباد وَبَين إِفْسَاد بَعضهم بَعْضًا وظلم بَعضهم بَعْضًا كذب عَلَيْهِ فانه لم يخل بَينهم شرعا وَلَا قدرا بل حَال بَينهم وَبَين ذَلِك شرعا أتم حيلولة ومنعهم قدرا بِحَسب مَا تَقْتَضِيه حكمته الباهرة وَعلمه الْمُحِيط وخلى بَينهم وَبَين ذَلِك بِحَسب مَا تَقْتَضِيه حكمته وشرعه وَدينه فَمَنعه سُبْحَانَهُ لَهُم حيلولته بَينهم وَبَين الشَّرّ أعظم من تخليته وَالْقدر الَّذِي خلاه بَينهم فِي ذَلِك هُوَ ملزوم أمره وشرعه وَدينه فَالَّذِي فعله فِي الطَّرفَيْنِ غَايَة الْحِكْمَة والمصلحة وَلَا نِهَايَة فَوْقه لاقتراح عقل وَلَو خلى بَينهم كَمَا زعمتم لكانوا بِمَنْزِلَة الْأَنْعَام السَّائِمَة بل لَو تَركهم ودواعي طباعهم لأهْلك بَعضهم بَعْضًا وَخرب الْعَالم وَمن عَلَيْهِ بل ألجمهم لجام الْعَجز وَالْمَنْع من كل مَا يُرِيدُونَ فَلَو أَنه خلى بَينهم وَبَين مَا يُرِيدُونَ لفسدت الخليقة كَمَا الجمهم بلجام الشَّرْع وَالْأَمر وَلَو مَنعهم جملَة وَلم يُمكنهُم وَلم يقدرهم لتعطل الْأَمر وَالشَّرْع جملَة وانتقت حِكْمَة الْبعْثَة والإرسال وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب فَأَي حِكْمَة فَوق هَذِه الْحِكْمَة وَأي أَمر أحسن مِمَّا فعله بهم وَلَو أعْطى النَّاس هَذَا الْمقَام بعض حَقه لعلموا أَنه مُقْتَضى الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَالْقُدْرَة التَّامَّة وَالْعلم الْمُحِيط وَأَنه غَايَة الْحِكْمَة وَمن فتح لَهُ بفهم فِي الْقُرْآن رَآهُ من أَوله إِلَى آخِره يُنَبه الْعُقُول على هَذَا ويرشدها إِلَيْهِ ويدلها عَلَيْهِ وَأَنه يتعالى ويتنزه أَن يكون هَذَا مِنْهُ عَبَثا أَو سدى أَو بَاطِلا أَو بِغَيْر الْحق أَو لَا لِمَعْنى وَلَا لداع وباعث وان مصدر ذَاك جَمِيعه عَن عزته وحكمته وَلِهَذَا كثيرا مَا يقرن تَعَالَى بَين هذَيْن الاسمين الْعَزِيز الْحَكِيم فِي آيَات التشريع والتكوين وَالْجَزَاء ليدل عباده على أَن مصدر ذَلِك كُله عَن حِكْمَة بَالِغَة وَعزة قاهرة ففهم الموفقون عَن الله عز وَجل مُرَاده وحكمته وانتهوا إِلَى مَا وقفُوا عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>