للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووصلت إِلَيْهِ إفهامهم وعلومهم وردوا علم مَا غَابَ عَنْهُم إِلَى أحكم الْحَاكِمين وَمن هُوَ بِكُل شَيْء عليم وتحققوا بِمَا عملوه من حكمته الَّتِي بهرت عُقُولهمْ أَن الله فِي كل مَا خلق وَأمر وأثاب وعاقب من الحكم البوالغ مَا تقصر عُقُولهمْ عَن إِدْرَاكه وَأَنه تَعَالَى هُوَ الْغَنِيّ الحميد الْعَلِيم الْحَكِيم فمصدر خلقه وَأمره وثوابه وعقابه غناهُ وحمده وَعلمه وحكمته لَيْسَ مصدره مَشِيئَة مُجَرّدَة وقدرة خَالِيَة من الْحِكْمَة وَالرَّحْمَة والمصلحة والغايات المحمودة الْمَطْلُوبَة لَهُ خلقا وأمرا وَأَنه سُبْحَانَهُ لَا يسْأَل عَمَّا يفعل لكَمَال حكمته وَوُقُوع أَفعاله كلهَا على أحسن الْوُجُوه وأتمها على الصَّوَاب والسداد ومطابقة الحكم والعباد يسْأَلُون إِذْ لَيست أفعالهم كَذَلِك وَلِهَذَا قَالَ خطيب الْأَنْبِيَاء شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام أَنى توكلت على الله رَبِّي وربكم مَا من دَابَّة إِلَّا هُوَ آخذ بناصيتها أَن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم فَأخْبر عَن عُمُوم قدرته تَعَالَى وَأَن الْخلق كلهم تَحت تسخيره وَقدرته وانه آخذ بنواصيهم فَلَا محيص لَهُم عَن نُفُوذ مَشِيئَته وَقدرته فيهم ثمَّ عقب ذَلِك بالأخبار عَن تصرفه فيهم وَأَنه بِالْعَدْلِ لَا بالظلم وبالإحسان لَا بالإساءة وبالصلاح لَا بِالْفَسَادِ فَهُوَ يَأْمُرهُم وينهاهم إحسانا إِلَيْهِم وحماية وصيانة لَهُم وَلَا حَاجَة إِلَيْهِم وَلَا بخلا عَلَيْهِم بل جودا وكرما ولطفا وَبرا ويثيبهم إحسانا وتفضلا وَرَحْمَة لَا لمعاوضة وَاسْتِحْقَاق مِنْهُم وَدين وَاجِب لَهُم يستحقونه عَلَيْهِ ويعاقبهم عدلا وَحِكْمَة لَا تشفيا وَلَا مَخَافَة وَلَا ظلما كَمَا يُعَاقب الْمُلُوك وَغَيرهم بل هُوَ على الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَهُوَ صِرَاط الْعدْل وَالْإِحْسَان فِي أمره وَنَهْيه وثوابه وعقابه فَتَأمل أَلْفَاظ هَذِه الْآيَة وَمَا جمعته من عُمُوم الْقُدْرَة وَكَمَال الْملك وَمن تَمام الْحِكْمَة وَالْعدْل وَالْإِحْسَان وَمَا تضمنته من الرَّد على الطَّائِفَتَيْنِ فَأَنَّهَا من كنوز الْقُرْآن وَلَقَد كفت وشفت لمن فتح عَلَيْهِ بفهمها فكونه تَعَالَى على صِرَاط مُسْتَقِيم ينفى ظلمه للعباد وتكليفه إيَّاهُم مَا لَا يُطِيقُونَ وينفى الْعَيْب من أَفعاله وشرعه وَيثبت لَهَا غَايَة الْحِكْمَة والسداد ردا على منكري ذَلِك وَكَون كل دَابَّة تَحت قَبضته وَقدرته وَهُوَ آخذ بناصيتها يَنْبَغِي أَن لَا يَقع فِي ملكه من أحد الْمَخْلُوقَات شَيْء بِغَيْر مَشِيئَته وَقدرته وَأَن من ناصيته بيد الله وَفِي قَبضته لَا يُمكنهُ أَن يَتَحَرَّك إِلَّا بتحريكه وَلَا يفعل إِلَّا بأقداره وَلَا يَشَاء إِلَّا بمشيئته تَعَالَى ردا على منكري ذَلِك من الْقَدَرِيَّة فالطائفتان مَا وفوا الْآيَة مَعْنَاهَا وَلَا قدروها حق قدرهَا فَهُوَ سُبْحَانَهُ على صِرَاط مُسْتَقِيم فِي عطائه وَمنعه وهدايته واضلاله وَفِي نَفعه وضره وعافيته وبلائه واغناه وإفقاره وإعزازه وإذلاله وانعامه وانتقامه وثوابه وعقابه وإحيائه وإماتته وَأمره وَنَهْيه وتحليله وتحريمه وَفِي كل مَا يخلق وكل مَا يَأْمر بِهِ وَهَذِه الْمعرفَة بِاللَّه لَا تكون إِلَّا للأنبياء ولورثتهم وَنَظِير هَذِه الْآيَة قَوْله تَعَالَى وَضرب الله مثلا رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم لَا يقدر على شَيْء وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يوجهه لايأت بِخَير هَل يَسْتَوِي هُوَ وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم فالمثل الأول للضم وعابديه والمثل الثَّانِي ضربه الله تَعَالَى لنَفسِهِ وَأَنه يَأْمر بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم فَكيف يسوى بَينه وَبَين الصَّنَم الَّذِي لَهُ مثل السوء فَمَا فعله الرب تبَارك

<<  <  ج: ص:  >  >>