للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَعَالَى مَعَ عباده هُوَ غَايَة الْحِكْمَة وَالْإِحْسَان وَالْعدْل فِي اقدارهم واعطائهم ومنعهم وَأمرهمْ ونهيهم فدعوى الْمُدعى أَن هَذَا نَظِير تخلية السَّيِّد بَين عبيده وامائه يفجر بَعضهم بِبَعْض ويسيء بَعضهم بَعْضًا اكذب دَعْوَى وأبطلها وَالْفرق بَينهمَا أظهر وَأعظم من أَن يحْتَاج إِلَى ذكره والتنبيه عَلَيْهِ وَالْحَمْد لله الْغَنِيّ الحميد فغناه التَّام فَارق وحمده وَملكه وعزته وحكمته وَعلمه وإحسانه وعدله وَدينه وشرعه وَحكمه وَكَرمه ومحبته للمغفرة وَالْعَفو عَن الجناة والصفح عَن المسيئين وتوبة التائبين وصبر الصابرين وشكر الشَّاكِرِينَ الَّذين يؤثرونه على غَيره ويتطلبون مراضيه ويعبدونه وَحده ويسيرون فِي عبيده بسيرة الْعدْل وَالْإِحْسَان والنصائح ويجاهدون أعداءه فيبذلون دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فِي محبته ومرضاته فيتميز الْخَبيث من الطّيب ووليه من عدوه وَيخرج طَيّبَات هَؤُلَاءِ وخبائث أُولَئِكَ إِلَى الْخَارِج فيترتب عَلَيْهَا آثارها المحبوبة للرب تَعَالَى من الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالْحَمْد لأوليائه والذم لأعدائه وَقد نبه تَعَالَى على هَذِه الْحِكْمَة فِي كِتَابه فِي غير مَوضِع كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا كَانَ الله ليذر الْمُؤمنِينَ على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث من الطّيب وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب وَلَكِن الله يجتبي من رسله من يَشَاء} هَذِه الْآيَة من كنوز الْقُرْآن نبه فِيهَا على حكمته تَعَالَى الْمُقْتَضِيَة تَمْيِيز الْخَبيث من الطّيب وَأَن ذَلِك التَّمْيِيز لَا يَقع إِلَّا برسله فاجتبى مِنْهُم من شَاءَ وأرسله إِلَى عباده فيتميز برسالتهم الْخَبيث من الطّيب والولى من الْعَدو وَمن يصلح لمجاورته وقربه وكرامته مِمَّن لَا يصلح إِلَّا للوقود وَفِي هَذَا تَنْبِيه على الْحِكْمَة فِي إرْسَال الرُّسُل وَأَنه لَا بُد مِنْهُ وان الله تَعَالَى لَا يَلِيق بِهِ الْإِخْلَال بِهِ وان من جحد رِسَالَة رسله فَمَا قدره حق قدره وَلَا عرفه حق مَعْرفَته وَنسبه إِلَى مَا لَا يَلِيق بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا قدرُوا الله حق قدره إِذْ قَالُوا مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} فَتَأمل هَذَا الْموضع حق التَّأَمُّل واعطه حَظه من الْفِكر فَلَو لم يكن فِي هَذَا الْكتاب سواهُ لَكَانَ من أجل مَا يُسْتَفَاد وَالله الْهَادِي إِلَى سَبِيل الرشاد

الْوَجْه السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ قَوْلكُم أَن الإغراق والإهلاك بخس مِنْهُ تَعَالَى وَهُوَ أقبح شَيْء منا فَكيف يدعونَ حسن إنقاذ الغرقى عقلا إِلَى آخِره كَلَام فَاسد جدا فان الإغراق والإهلاك من الرب تَعَالَى لَا يخرج قطّ عَن الْمصلحَة وَالْعدْل وَالْحكمَة فانه إِذا أغرق أعداءه وأهلكهم وانتقم مِنْهُم كَانَ هَذَا غَايَة الْحِكْمَة وَالْعدْل والمصلحة وان أغرق أولياءه وَأهل طَاعَته فَهُوَ سَبَب من الْأَسْبَاب الَّتِي نصبها لموتهم وتخليصهم من الدُّنْيَا والوصول إِلَى دَار كرامته وَمحل قربه وَلَا بُد من موت على كل حَال فَاخْتَارَ لَهُم أكمل الموتتين وأنفعهما لَهُم فِي معادهم ليوصلهم إِلَى دَرَجَات عالية لَا تنَال إِلَّا بِتِلْكَ الْأَسْبَاب الَّتِي نصبها الله موصلها كإيصال سَائِر الْأَسْبَاب إِلَى مسبباتها وَلِهَذَا سلط على أنبيائه وأوليائه مَا سلط عَلَيْهِم من الْقَتْل وأذى النَّاس وظلمهم لَهُم وعدوانهم عَلَيْهِم وَمَا ذَاك لهوانهم عَلَيْهِ وَلَا لكرامة أعدائهم عَلَيْهِ بل ذَاك عين كرامتهم وهوان أعدائهم عَلَيْهِ وسقوطهم من عينه لينالوا بذلك مَا خلقُوا لَهُ من مساكنتهم فِي دَار

<<  <  ج: ص:  >  >>