للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهوان وينال أولياؤه وَحزبه مَا هيئ لَهُم من الدَّرَجَات الْعلي وَالنَّعِيم الْمُقِيم فَكل تسليط أعدائه وأعدائهم عَلَيْهِم عين كرامتهم وَعين إهانة أعدائهم فَهَذَا من بعض حكمه تَعَالَى فِي ذَلِك ووراء ذَلِك من الحكم مَا لَا تبلغه الْعُقُول والأفه والإفهام وَكَانَ إغراقه واهلاكه وابتلاؤه مَحْض الْحِكْمَة وَالْعدْل فِي حق أعدائه ومحض الْإِحْسَان وَالْفضل وَالرَّحْمَة فِي حق أوليائه فَلهَذَا حسن مِنْهُ

وَلَعَلَّ الإغراق وتسليط الْقَتْل عَلَيْهِم أسهل الموتتين عَلَيْهِم مَعَ مَا فِي ضمنه من الثَّوَاب الْعَظِيم فَيكون وَقد بلغ حسن اخْتِيَاره لَهُم إِلَى أَن خفف عَلَيْهِم الموتة وأعاضهم عَلَيْهَا أفضل الثَّوَاب فانه لَا يجد الشَّهِيد من ألم الْقَتْل إِلَّا كمس القرصة

وَمن لم يمت بِالسَّيْفِ مَاتَ بِغَيْرِهِ ... تنوعت الْأَسْبَاب وَالْمَوْت وَاحِد

فَلَيْسَ إماتة أوليائه شُهَدَاء بيد أعدائه إهانة لَهُم وَلَا غَضبا عَلَيْهِم بل كَرَامَة وَرَحْمَة وإحسانا ولطفا وَكَذَلِكَ الْغَرق والحرق والردم والتردى والبطن وَغير ذَلِك والمخلوق لَيْسَ بِهَذِهِ المثابة فَلهَذَا قبح مِنْهُ الإغراق والإهلاك وَحسن من اللَّطِيف الْخَبِير

الْوَجْه الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ قَوْلكُم إِذا كَانَ لله فِي إغراقه واهلاكه سُبْحَانَهُ حِكْمَة وسر لَا نطلع عَلَيْهِ نَحن فقد رَأَوْا مثله فِي ترك إنقاذنا الغرقى كَلَام تغى ركته وفساده عَن تكلّف رده وَهل يجوز أَن يُقَال إِذا كَانَ لله الْحِكْمَة الْبَالِغَة والأسرار الْعَظِيمَة فِي إهلاك من يهلكه وابتلاء من يَبْتَلِيه وَلِهَذَا حسن مِنْهُ ذَلِك فَيلْزم من هَذَا أَن يُقَال يجوز أَن يكون فِي تركنَا انجاء الغرقى وَنصر الْمَظْلُوم سد الْخلَّة وَستر الْعَوْرَة حكما وأسرارا لَا يعلمهَا الْعُقَلَاء والمناكدة فِي البحوث إِذا وصلت إِلَى هَذَا الْحَد سمجت وثقلت على النُّفُوس ومحتها الْقُلُوب والأسماع الْوَجْه التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ قَوْلكُم العقلان من حَيْثُ الصِّفَات النفسية وَاحِدَة فَكيف يقبح أَحدهمَا من فَاعل وَيحسن الآخر وبمنزلة أَن يُقَال السُّجُود لله وَالسُّجُود للصنم وَاحِد من حَيْثُ الصِّفَات النفسية فَكيف يقبح أَحدهمَا وَيحسن الآخر وَهل فِي الْبَاطِل أبطل من هَذَا الْوَهم فَمَا جعل الله ذَلِك وَاحِدًا أصلا وَلَيْسَ إماتة الله لعَبْدِهِ مثل قتل الْمَخْلُوق لَهُ وَلَا أجاعته واعراؤه وابتلاؤه مُسَاوِيا فِي الصِّفَات النفسية لفعل الْمَخْلُوق بالمخلوق ذَلِك وَدَعوى التَّسَاوِي كذب وباطل فَلَا أعظم من التَّفَاوُت بَينهمَا وَهل يُسَاوِي هَذَا الْفِعْل والفطرة فعل الله وَفعل الْمَخْلُوق فيا لله الْعجب أَن بتناولهما اسْم الْفِعْل الْمُشْتَرك صَارا سَوَاء فِي الصِّفَات النفسية أَتَرَى حصل لَهما هَذَا التَّسَاوِي من جِهَة الْفِعْلَيْنِ وَالَّذِي أوجب هَذَا الخيال الْفَاسِد اتِّحَاد الْمحل وَتعلق الْفِعْلَيْنِ بِهِ وَهل يدل هَذَا على اسْتِوَاء الْفِعْلَيْنِ فِي الصِّفَات النفسية وَلَقَد وهت أَرْكَان مَسْأَلَة بنيت على هَذَا الشفا فانه شفا جرف هار وَالله الْمُسْتَعَان

الْوَجْه الْأَرْبَعُونَ قَوْلكُم مواجب الْعُقُول فِي أصل التَّكْلِيف مُعَارضَة الْأُصُول فَيُقَال معَاذ الله من تعارضهما بل هِيَ متفقة الْأُصُول مُسْتَقر حسنها فِي الْعُقُول وَالْفطر مركوز ذَلِك فِيهَا فَمَا شرع الله شَيْئا فَقَالَ الْعقل

<<  <  ج: ص:  >  >>