للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلِيم ليته شرع خِلَافه بل هِيَ متعارضة بَين الْعقل والهوى وَالْعقل يقْضى بحسنها وَيَدْعُو إِلَيْهَا وَيَأْمُر بمتابعتها جملَة فِي بَعْضهَا وَجُمْلَة وتفصيلا فِي بعض والهوى والشهوة قد يدعوان غَالِبا إِلَى خلَافهَا فالتعارض وَاقع بَين مواجب الْعُقُول ومواجب الْهوى وَمَا جعل الله فِي الْعقل وَلَا فِي الْفطْرَة استقباحا لما أَمر بِهِ وَلَا اسْتِحْسَانًا لما نهى عَنهُ وَأَن مَال الْهوى إِلَى خلاف أمره وَنَهْيه فالعقل حِينَئِذٍ يكون مَأْمُورا مَعَ الْهوى مقهورا فِي قَبضته وَتَحْت سُلْطَانه

الْوَجْه الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ قَوْلكُم نطالبكم بِإِظْهَار وَجه الْحسن فِي أصل التَّكْلِيف وايجابه عقلا وَشرعا فَيُقَال يالله الْعجب أيحتاج أَمر الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِمَا فِيهِ غَايَة صَلَاحهمْ وسعادتهم فِي معاشهم ومعادهم وَنَهْيه لَهُم عَمَّا فِيهِ هلاكهم وشقاؤهم فِي معاشهم ومعادهم إِلَى الْمُطَالبَة بحسنه ثمَّ لَا يقْتَصر على الْمُطَالبَة بحسنه عقلا حَتَّى يُطَالب بحسنه عقلا وَشرعا فَأَي حسن لم يَأْمر الله بِهِ ويستحبه لِعِبَادِهِ ويندبهم إِلَيْهِ وَأي حسن فَوق حسن مَا أَمر بِهِ وشرعه وَأي قَبِيح لم ينْه عَنهُ وَلم يزْجر عباده من ارتكابه وَأي قبح فَوق قبح مَا نهى عَنهُ وَهل فِي الْعقل دَلِيل أوضح من علمه بِحسن مَا أَمر الله بِهِ من الْأَيْمَان وَالْإِحْسَان وتفاصيلها من الْعدْل وَالْإِحْسَان وإيتاء ذِي الْقُرْبَى وأنواع الْبر وَالتَّقوى وكل مَعْرُوف تشهد الْفطر والعقول بِهِ من عِبَادَته وَحده لَا شريك لَهُ على أكمل الْوُجُوه وأتمها وَالْإِحْسَان إِلَى خلقه بِحَسب الْإِمْكَان فَلَيْسَ فِي الْعقل مُقَدمَات هِيَ أوضح من هَذَا الْمُسْتَدلّ عَلَيْهِ فَيجْعَل دَلِيلا لَهُ وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي الْعقل دَلِيل أوضح من قبح مَا نهى الله عَنهُ من الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن والاثم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق والشرك بِاللَّه بِأَن يَجْعَل لَهُ عديل من خلقه فيعبد كَمَا يعبد وَيُحب كَمَا يحب ويعظم كَمَا يعظم وَمن الْكَذِب على الله وعَلى أنبيائه وعباده الْمُؤمنِينَ الَّذِي فِيهِ خراب الْعَالم وَفَسَاد الْوُجُود فَأَي عقل لم يدْرك حسن ذَلِك وقبح هَذَا فأحرى أَن لَا يدْرك الدَّلِيل على ذَلِك

وَلَيْسَ يَصح فِي الأذهان شَيْء ... إِذا احْتَاجَ النَّهَار إِلَى دَلِيل

فَمَا أبقى الله عز وَجل حسنا إِلَّا أَمر بِهِ وشرعه وَلَا قبيحا إِلَّا نهى عَنهُ وحذر مِنْهُ ثمَّ أَنه سُبْحَانَهُ أودع فِي الْفطر والعقول الْإِقْرَار بذلك فَأَقَامَ عَلَيْهَا الْحجَّة من الْوَجْهَيْنِ وَلَكِن اقْتَضَت رَحمته وحكمته أَن لَا يعذبها إِلَّا بعد إِقَامَتهَا عَلَيْهَا برسله وان كَانَت قَائِمَة عَلَيْهَا بِمَا أودع فِيهَا واستشهدها عَلَيْهِ من الْإِقْرَار بِهِ وبوحدانيته واستحقاقه الشُّكْر من عباده بِحَسب طاقتهم على نعمه وَبِمَا نصب عَلَيْهَا من الْأَدِلَّة المتنوعة المستلزمة إِقْرَارهَا بِحسن الْحسن وقبح الْقَبِيح

الْوَجْه الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ أَنا نذْكر لكم وَجها من الْوُجُوه الدَّالَّة على وَجه الْحسن فِي أصل التَّكْلِيف والإيجاب فَنَقُول لَا ريب أَن إِلْزَام النَّاس شَرِيعَة يأتمرون بأوامرها الَّتِي فِيهَا صَلَاحهمْ وينتهون عَن مناهيها الَّتِي فِيهَا فسادهم أحسن عِنْد كل عَاقل من تَركهم هملا كالأنعام لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا

<<  <  ج: ص:  >  >>