وَلَا يُنكرُونَ مُنْكرا وينزو بَعضهم على بعض نزو الْكلاب والحمر ويعدو بَعضهم على بعض عَدو السبَاع وَالْكلاب والذئاب وَيَأْكُل قويهم ضعيفهم لَا يعْرفُونَ الله وَلَا يعبدونه وَلَا يذكرُونَهُ وَلَا يشكرونه وَلَا يمجدونه وَلَا يدينون بدين بل هم من جنس الْأَنْعَام السَّائِمَة وَمن كَابر عقله فِي هَذَا سقط الْكَلَام مَعَه ونادى على نَفسه بغاية الوقاحة ومفارقة الإنسانية وَمَا نَظِير مطالبتكم هَذِه إِلَّا مُطَالبَة من يَقُول نَحن نطالبكم بِإِظْهَار وَجه الْمَنْفَعَة فِي خلق المَاء والهواء والرياح وَالتُّرَاب وَخلق الأقوات والفواكه والأنعام بل فِي خلق الأسماع والأبصار والألسن والقوى والأعضاء الَّتِي فِي العَبْد فان هَذِه أَسبَاب ووسائل ووسائط
وَأما أمره وشرعه وَدينه فكماله غَايَة وسعادة فِي المعاش والمعاد وَلَا ريب عَنهُ الْعُقَلَاء أَن وَجه الْحسن فِيهِ أعظم من وَجه الْحسن فِي الْأُمُور الحسية وان كَانَ الْحسن هُوَ الْغَالِب على النَّاس وانما غَايَة أَكْثَرهم إِدْرَاك الْحسن وَالْمَنْفَعَة فِي الحسيات وتقديمها وإيثارها على مدارك الْعُقُول والبصائر قَالَ تَعَالَى {وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ يعلمُونَ ظَاهرا من الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم عَن الْآخِرَة هم غافلون} وَلَو ذَهَبْنَا نذْكر وُجُوه المحاسن المودعة فِي الشَّرِيعَة لزادت على الألوف وَلَعَلَّ الله أَن يساعده بمصنف فِي ذَلِك مَعَ أَن هَذِه الْمَسْأَلَة بَابه وقاعدته الَّتِي عَلَيْهَا بِنَاؤُه
الْوَجْه الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ قَوْلكُم أَنه سُبْحَانَهُ لَا يتَضَرَّر بِمَعْصِيَة العَبْد وَلَا ينْتَفع بِطَاعَتِهِ وَلَا تتَوَقَّف قدرته فِي الْإِحْسَان على فعل يصدر من العَبْد بل كَمَا أنعم عَلَيْهِ ابْتِدَاء فَهُوَ قَادر على أَن ينعم عَلَيْهِ بِلَا توَسط
فَيُقَال هَذَا حق وَلَكِن لَا يلْزم فِيهِ أَن لَا تكون الشَّرِيعَة وَالْأَمر والنهى مَعْلُومَة الْحسن عقلا وَلَا شرعا وَلَا يلْزم مِنْهُ أَيْضا عدم حسن التَّكْلِيف عقلا وَلَا شرعا فذكركم كم هَذَا عديم الْفَائِدَة فانه لم يقل منازعوكم وَلَا غَيرهم أَن الله سُبْحَانَهُ يتَضَرَّر بمعاصي الْعباد وَينْتَفع بطاعاتهم وَلَا أَنه غير قَادر على إِيصَال الْإِحْسَان إِلَيْهِم بِلَا واسطه وَلَكِن ترك التَّكْلِيف وَترك الْعباد هملا كالأنعام لَا يؤمرون وَلَا ينهون منَاف لحكمته وحمده وَكَمَال ملكه والهيته فَيجب تنزيهه عَنهُ وَمن نسبه إِلَيْهِ فَمَا قدره حق قدره وحكمته الْبَالِغَة اقْتَضَت الْأَنْعَام عَلَيْهِم ابْتِدَاء وبواسطة الْأَيْمَان والواسطة فِي إنعامه عَلَيْهِم أَيْضا فَهُوَ الْمُنعم بالوسيلة والغاية وَله الْحَمد وَالنعْمَة فِي هَذَا وَهَذَا يُوضحهُ
الْوَجْه الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ وَهُوَ أَن إنعامه عَلَيْهِ ابْتِدَاء بالإيجاد واعطاء الْحَيَاة وَالْعقل والسمع وَالْبَصَر وَالنعَم الَّتِي سخرها لَهُ إِنَّمَا فعلهَا بِهِ لأجل عِبَادَته إِيَّاه وشكره لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} وَقَالَ تَعَالَى {قل مَا يعبأ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم} وَأَصَح الْأَقْوَال فِي الْآيَة أَن مَعْنَاهَا مَا يصنع بكم رَبِّي لَوْلَا عبادتكم إِيَّاه فَهُوَ سُبْحَانَهُ لم يخلقكم إِلَّا لعبادته فَكيف يُقَال بعد هَذَا أَن تَكْلِيفه إيَّاهُم عِبَادَته غير حسن فِي الْعقل لِأَنَّهُ قَادر على الْأَنْعَام عَلَيْهِم بالجزاء من غير توَسط الْعِبَادَة الْوَجْه الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ أَن قدرته سُبْحَانَهُ على الشَّيْء لَا تَنْفِي حكمته الْبَالِغَة من وجوده
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute