للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّهْي وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب استفرغ الوسع واستخلص الْقلب للمعبود الْحق وَمن هَذَا قَول بعض السّلف أَنه ليستخرج حبه من قلبِي مَا لَا يَسْتَخْرِجهُ قَوْله وَمِنْه قَول عمر فِي صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ وَقد كَانَ هَذَا هُوَ الْوَاجِب على كل عَاقل كَمَا قَالَ بَعضهم

هَب الْبَعْث لم تأتنا رسله ... وجاحمة النَّار لم تضرم

أَلَيْسَ من الْوَاجِب الْمُسْتَحق ... طَاعَة رب الورى الأكرم

وَقد قَامَ رَسُول الله حَتَّى تفطرت قدماه فَقيل لَهُ تفعل هَذَا وَقد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ أَفلا أكون عبدا شكُورًا وَاقْتصر من جوابهم على مَا تُدْرِكهُ عُقُولهمْ وتناله إفهامهم وَألا فَمن الْمَعْلُوم أَن باعثه على ذَلِك الشُّكْر أَمر يجل عَن الْوَصْف وَلَا تناله الْعِبَادَة وَلَا الأذهان فَأَيْنَ هَذَا الشُّهُود من شُهُود طَائِفَة الْقَدَرِيَّة والجبرية فليعرض الْعَاقِل اللبيب ذَيْنك المشهدين على هَذَا المشهد ولينظر مَا بَين الْأَمريْنِ من التَّفَاوُت فَالله سُبْحَانَهُ يعبد ويحمد وَيُحب لِأَنَّهُ أهل لذَلِك ومستحقه بل مَا يسْتَحقّهُ سُبْحَانَهُ من عباده أَمر لَا تناله قدرتهم وَلَا إرادتهم وَلَا تتصوره عُقُولهمْ وَلَا يُمكن أحد من خلقه قطّ أَن يعبده حق عِبَادَته وَلَا يُوفيه حَقه من الْمحبَّة وَالْحَمْد وَلِهَذَا قَالَ أفضل خلقه وأكملهم وأعرفهم بِهِ وأحبهم إِلَيْهِ وأطوعهم لَهُ لَا أحصى ثَنَاء عَلَيْك وَأخْبر أَن عمله لَا يسْتَقلّ بالنجاة فَقَالَ لن يُنجى أحدا مِنْكُم عمله قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمة مِنْهُ وَفضل عَلَيْهِ صلوَات الله وَسَلَامه عدد مَا خلق فِي السَّمَاء وَعدد مَا خلق فِي الأَرْض وَعدد مَا بَينهمَا وَعدد مَا هُوَ خَالق وَفِي الحَدِيث الْمَرْفُوع الْمَشْهُور أَن من الْمَلَائِكَة من هُوَ ساجد لله لَا يرفع رَأسه مُنْذُ خلق وَمِنْهُم رَاكِع لَا يرفع رَأسه من الرُّكُوع مُنْذُ خلق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَوْم الْقِيَامَة سُبْحَانَكَ مَا عبدناك حق عبادتك وَلما كَانَت عِبَادَته تَعَالَى تَابِعَة لمحبته واجلاله وَكَانَت الْمحبَّة نَوْعَيْنِ محبَّة تنشأ عَن الْأَنْعَام وَالْإِحْسَان فتوجب شكرا وعبودية بِحَسب كَمَا لَهَا ونقصانها ومحبة تنشأ عَن جمال المحبوب وكماله فتوجب عبودية وَطَاعَة أكمل من الأولى كَانَ الْبَاعِث على الطَّاعَة والعبودية لَا يخرج عَن هذَيْن النَّوْعَيْنِ واما أَن تقع الطَّاعَة صادرة عَن خوف مَحْض غير مقرون بمحبته فَهَذَا قد ظَنّه كثير من الْمُتَكَلِّمين وَهِي عِنْدهم غَايَة المعارف بِنَاء على أصلهم الْبَاطِل أَن الله لَا تتَعَلَّق الْمحبَّة بِذَاتِهِ وانما تتَعَلَّق بمخلوقاته مِمَّا فِي الْجنَّة من النَّعيم فهم لَا يحبونه لذاته وَلَا لإحسانه وَيُنْكِرُونَ محبته لذَلِك وانما المحبوب عِنْدهم فِي الْحَقِيقَة غَيره وَهَذَا من أبطل الْبَاطِل

وستذكر فِي الْقسم الثَّانِي أَن شَاءَ الله فِي هَذَا الْكتاب بطلَان هَذَا الْمَذْهَب من أَكثر من مائَة وَجه

<<  <  ج: ص:  >  >>