للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعظيما وخشية وخضوعا وتذللا وَعبادَة فَهُوَ الْإِلَه الْحق وَلَو لم يخلق خلقه وَهُوَ الْإِلَه الْحق وَلَو لم يعبدوه فَهُوَ المعبود حَقًا إِلَّا لَهُ حَقًا الْمَحْمُود حَقًا وَلَو قدر أَن خلقه لم يعبدوه وَلم يحمدوه وَلم يألهوه فَهُوَ الله الَّذِي لَا اله إِلَّا هُوَ قبل أَن يخلقهم وَبعد أَن خلقهمْ وَبعد أَن يغنيهم لم يستحدث بخلقه لَهُم وَلَا بأَمْره إيَّاهُم اسْتِحْقَاق الإلهية وَالْحَمْد بل الإلهية وحمده ومجده وغناه أَوْصَاف ذاتية لَهُ يَسْتَحِيل مفارقتها لَهُ لِحَيَاتِهِ ووجوده وَقدرته وَعلمه وَسَائِر صِفَات كَمَاله فأولياؤه وخاصته وَحزبه لما شهِدت عُقُولهمْ وفطرهم أَنه أهل أَن يعبد وان لم يُرْسل إِلَيْهِم رَسُولا وَلم ينزل عَلَيْهِ كتابا وَلَو لم يخلق جنَّة وَلَا نَارا علمُوا أَنه لَا شَيْء فِي الْعُقُول وَالْفطر أحسن من عِبَادَته وَلَا أقبح من الْأَعْرَاض عَنهُ وَجَاءَت الرُّسُل وأنزلت الْكتب لتقرير مَا استودع سُبْحَانَهُ فِي الْفطر والعقول من ذَلِك وتكميله وتفضيله وزيادته حسنا إِلَى حسنه فاتفقت شَرِيعَته وفطرته وتطابقا وتوافقا وَظهر أَنَّهُمَا من مشكاة وَاحِدَة فعبدوه وأحبوه ومجدوه وحمدوه بداعي الْفطْرَة وداعي الشَّرْع وداعي الْعقل فاجتمعت لَهُم الدَّوَاعِي ونادتهم من كل جِهَة ودعتهم إِلَى وليهم والههم وفاطرهم فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ بقلوب سليمَة لم يُعَارض خَبره عِنْدهَا شُبْهَة توجب ريبا وشكا ولأمره شَهْوَة توجب رغبتها عَنهُ وإيثارها سواهُ فَأَجَابُوا دواعي الْمحبَّة وَالطَّاعَة إِذْ نادت بهم حَيّ على الْفَلاح وبذلوا أنفسهم فِي مرضاة مَوْلَاهُم الْحق بذل أخي السماح وحمدوا عِنْد الْوُصُول إِلَيْهِ مسراهم وانما يحمد الْقَوْم السرى عِنْد الصَّباح فدينهم دين الْحبّ وَهُوَ الدّين الَّذِي لَا إِكْرَاه فِيهِ وسيرهم سير المحبين وَهُوَ الَّذِي لَا وَقْفَة تعتريه

أَنى أدين بدين الْحبّ وَيحكم ... فَذَاك ديني وَلَا إِكْرَاه فِي الدّين

وَمن يكن دينه كرها فَلَيْسَ لَهُ ... إِلَّا العناء وَألا السّير فِي الطين

وَمَا اسْتَوَى سير عبد فِي محبته ... وسير خَال من الأشواق فِي دين

فَقل لغير أخي الأشواق وَيحك قد ... غبنت حظك لَا تغتر بالدون

نَجَائِب الْحبّ تعلوا بالمحب إِلَى ... أَعلَى الْمَرَاتِب من فَوق السلاطين

وَأطيب الْعَيْش فِي الدَّاريْنِ قد رغبت ... عَنهُ التُّجَّار فباعت بيع مغبون

فان ترد علمه فاقرأه وَيحك فِي ... آيَات طه وَفِي آيَات ياسين

وَلَا ريب أَن كَمَال الْعُبُودِيَّة تَابع لكَمَال الْمحبَّة وَكَمَال الْمحبَّة تَابع لكَمَال المحبوب فِي نَفسه وَالله سُبْحَانَهُ لَهُ الْكَمَال الْمُطلق التَّام فِي كل وَجه الَّذِي لَا يَعْتَرِيه توهم نقص أصلا وَمن هَذَا شَأْنه فان الْقُلُوب لَا يكون شَيْء أحب إِلَيْهَا مِنْهُ مَا دَامَت فطرها وعقولها سليمَة وَإِذا كَانَت أحب الْأَشْيَاء إِلَيْهَا فَلَا محَالة أَن محبته توجب عبوديته وطاعته وتتبع مرضاته واستفراغ الْجهد فِي التَّعَبُّد لَهُ والإنابة إِلَيْهِ وَهَذَا الْبَاعِث اكمل بواعث الْعُبُودِيَّة وأقواها حَتَّى لَو فرض تجرده عَن الْأَمر

<<  <  ج: ص:  >  >>